ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | رشحات | 34
(27-56)

من المعلوم ان رفع عادةٍ صغيرة (كالتتون)(2) مثلاً، من طائفة صغيرة بالكلية قد يَعسَرُ على حاكم عظيم بهمّة عظيمة، مع أنّا نرى هذا الذات ها هو قد رفع بالكلية؛ عاداتٍ عظيمة كثيرة، من اقوام عظيمة متعصبين لعاداتهم، معاندين في حسياتهم، بقوة جزئية، وهمةٍ قليلة وفي زمان قصير، وغَرسَ بدلها برسوخ تام في سجيتهم عادات عالية، وخصائل غالية. فانظر الى (عمر) رضى الله عنه قبل الاهتداء وبعده، تَرَه نواةً قد صار شجرةً باسقة. وهكذا يتراءى لنا من خوارق اجراآته الاساسية الوف ما رأينا، فمن لم يَرَ هذا العصر نُدخل في عينه هذه الجزيرة!. فليجرّب نفسه فيها. فليأخذوا مائة من فلاسفتهم وليذهبوا اليها وليعملوا مائة سنة هل يتيسر لهم ان يفعلوا بالنسبة الى هذا الزمان جزءٌ من مائة جزءٍ مما فعل سيدُنا في سنةٍ بالنسبة الى ذلك الزمان؟! .
الرشحة التاسعة:
اعلم! ان كنت عارفاً بسجية البشر، انه لايتيسر للعاقل ان يدّعي في دعوى فيها مناظرة كذباً يخجل بظهوره، وان يقوله بلا حجاب وبلا مبالاة وبلا تأثر يشير الى حيلته، وبلا تصنّع وتهيّج يُوميان الى كذبه، في انظار خصومه النقادة، ولو كان شخصاً صغيراً، ولو في وظيفة صغيرة، ولو بحيثية حقيرة، ولو في جماعة صغيرة، ولو في مسألة حقيرة. فكيف يمكن تداخل الحيلة ودخول الخلاف في مدّعيات مثل هذا الشخص الذي هو موظف عظيم، في وظيفة عظيمة، بحيثية عظيمة، مع انه يحتاج لأمنية عظيمة، وفي جماعة عظيمة، وفي مقابلة خصومة عظيمة، وفي مسألة عظيمة، وفي دعوى عظيمة؟ وها هو يقول ما يقول بلا مبالاة بمعترض، وبلا تردّد وبلا حجاب وبلا تخوف وبلا تأثر، وبصفوةٍ صميمية، وبجذبة خالصة، وبطرزٍ يحرِّك اعصاب خصومه بتزييف عقولهم وتحقير نفوسهم وكسر عزّتِهم،

----------------------------

(2) التتون: التبغ والتدخين.

لايوجد صوت