ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | رشحات | 38
(27-56)

الموجودات، بل تدعو وتطلب تلك الاسماء عين ما يطلب هو . فاستمع! ها هو يطلب البقاء واللقاء والجنة والرضاء. فلو لم يوجَد مالا يُعد من الاسباب الموجبة لاعطاء السعادة الابدية من الرحمة والعناية والحكمة والعدالة المشهودات - المتوقف كونها رحمة وعناية وحكمة وعدالة - على وجود الاخرة، وكذا جميع الاسماء القدسية، اسباباً مقتضية لها؛ لكفى دعاءُ هذا الشخص النوراني لان يبني ربُّهُ له ولأبناء جنسه الجنة، كما يُنشئ لنا في كل ربيع جناناً مزينة بمعجزات مصنوعاته.
فكما صارت رسالته سبباً لفتح هذه الدار الدنيا للامتحان والعبودية، كذلك صار دعاؤه في عبوديته سبباً لفتح دار الآخرة للمكافأة والمجازاة.
فهل يمكن ان يتداخل في هذا الانتظام الفائق، وفي هذه الرحمة الواسعة، وفي هذه الصنعة الحسنة بلاقصور، وفي هذا الجمال بلا قبح، بدرجة انطق امثال الغزالي بـ (ليس في الامكان ابدع مما كان) .. وان تتغير هذه الحقائق بقبحٍ خشين، وبظلم مُوحش، وبتشوش عظيم؛ اذ سماع ادنى صوت في ادنى خلق في ادنى حاجة وقبولها باهمية تامة، مع عدم سماع ارفَع صوتٍ ودعاءٍ في اشد حاجة، وعدم قبول احسن مسؤول، في اجمل امل ورجاء؛ قبحٌ ليس مثله قبح، وقصورٌ لايساويه قصور، حاشا ثم حاشا وكلاّ.. لايقبل مثلُ هذا الجمال المشهود بلا قصور مثل هذا القبح المحض، والاّ لانقلبت الحقائقُ بانقلاب الحُسن الذاتي قبحاً ذاتياً.
الرشحة الثالثة عشرة:
يارفيقي في هذه السياحة العجيبة، ألا يكفيك مارأيت؟ فان اردت الاحاطة فلايمكن، بل لو بقينا في هذه الجزيرة مائة سنة ما احطنا ولامَلَلْنا من النظر بجزءٍ واحد من مائة جزء من عجائب وظائفه، وغرائب اجراآته.. فلنرجع قهقرياً، ولننظر عصراً عصراً، كيف اخضرّت تلك العصور واستفادت من فيض هذا العصر؟

لايوجد صوت