ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | لاسيما | 74
(57-79)

المهمة المثمرة في العوالم الغيبية والاخروية. فيفهم من هذه المحافظة التامة ان لصاحب هذه الموجودات اهتماماً عظيماً بانضباط مايجري في ملكه، وان له نهاية دقةٍ في وظيفة حاكميته، وانتظاماً تاماً في سلطنة ربوبيته، بحيث يكتب ويستكتب أدنى حادثة وأهون عمل وأقل خدمة، ويأمر بالامر التكويني بأخذ صورة كل ما يجري في ملكه، ويحفظ ويستحفظ كل فعل وعمل. فهذه الحفيظية تشير بل تصرح بل تستلزم المحاسبة. وبالخاصة في أعظم الاعمال وأهمها من اكرم المخلوقات وأشرفها اي الانسان، لان الانسان كالشاهد على كليات شؤون الربوبية وكالدلال على الوحدانية الالهية في دوائر الكثرة وكالمشاهد والضابط على تسبيحات الموجودات، وهكذا.. مما لايعد من اسباب تكريمه بالامانة وتقليده بالخلافة.
فمع هذا ﴿ايَحسَبُ الانسَانُ اَنْ يُترَكَ سُدىً﴾(القيامة:36) ولايُسأل غداً؟ كلا.. بل ليحاسَب على السَبَد واللَبد(1)، وسيذهب الى الحشر والابد. وما الحشر والقيامة بالنسبة الى قدرته الاّ كالربيع والخريف. فكل الوقوعات الماضية معجزات قدرته تشهد قطعاً على انه قدير على كل الامكانات الاستقبالية.
ولاسيما: ان مالك هذا العالم قد وعد مكرراً بما ايجاده عليه هيّن سهل يسير، ووجوده لخلقه وعباده مهمّ بلا نهاية، وغال بلا غاية. مع ان خُلف الوعد في غاية الضدية لعزّه اقتداره ومرحمة ربوبيته؛ اذ خُلفُ الوعد نتيجة الجهل اولاً والعجز آخراً. فخلف الوعد محال على العليم المطلق والقدير المطلق. فليس ايجاد الحشر بانقلاباته وبجنّاته بأعسر عليه من ايجاد الربيع بتحولاته وبجنانه. واما وعدُه سبحانه فثابت بتواتر كل الانبياء باجماع جميع الاصفياء. استمع قوة وعده سبحانه من هذه الآية :﴿الله لا إلهَ الاّ هُوَ لَيَجمَعَنَّكُمْ الى يَومِ القيمةِ لاريبَ

--------------------

(1) السبد: ج اسباد: القليل من الشعر ، يقال : ماله سبد ولا لبد، اي لا شعر له ولا صوف ، يقال لمن لا شيء له (مجمع الامثال).

لايوجد صوت