ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | لاسيما | 72
(57-79)

نعم، كما يتفطن مَن له أدنى شعور إذا صادف في طريقه منزلاً اعده ملكٌ كريم في الطريق لمسافريه الذين يذهبون اليه. ثم ان الملك قد صرف ملايين الدنانير لتزيين المنزل لتنزه ليلة واحدة. ثم رأى ان أكثر المزينات صور وانموذجات!.. ثم رأى المسافرين يذوقون من هذا وذلك للطعم لا للشبع، اذ لايشبعون من شئ، ويأخذ كل واحد (بفوطوغرافه) المخصوص صور ما في المنزل، ويأخذ خدام الملك ايضاً صور معاملاتهم بغاية الدقة.. ثم رأى ان الملك يخّرب في كل يوم أكثر تلك المزينات الغاليات القيمة، ويجدد لضيوفه الجديدين مزينات اخرى.. ويتفهم بلاشك ان لصاحب هذا المنزل المؤقت منازل عالية دائمة، وثروة غالية مخزونة، وسخاوة عظيمة كريمة؛ وهو يريد ان يشوّق الى ما عنده ويرغّبهم فيما ادخره لهم..
كذلك؛ لابد ان يتفطن الانسان:
ان هذه الدنيا ليست لذاتها وبذاتها، بل انما هي منزلٌ تُملأ وتُفرغ بحلول وارتحال، وان ساكنيها مسافرون، يدعوهم رب كريم الى دار السلام.. وان هذه التزيينات ليست للتلذذ بالتنزه فقط، بدليل انها تُلذّك آناً، ثم تؤلمك بفراقها أزماناً، وتذيقك وتفتح اشتهاءك، ثم لاتشبعك لقصر عُمرها او قصر عمرك، بل انما هي للعبرة وللشكر، وللشوق الى اصولها الدائمة ولغايات علوية.. وان هذه المزينات صور وانموذجات لما ادّخره الرحمن في الجنان لأهل الإيمان، وأن هذه المصنوعات الفانيات ليست للفناء، بل اجتمعت اجتماعاً قصيراً لتؤخذ صورها وتماثيلها ومعانيها ونتائجها، فيُنسج منها مناظر دائمة لاهل الأبد، او يَصنع منها مُحَوّلُها ما يشاء في عالم البقاء.
ومن الدليل على ان الاشياء للبقاء لا للفناء، بل الفناء الصوري تمام الوظيفة وترخيص له، أن الفاني يفنى بوجهٍ ويبقى بوجوهٍ غير محصورة!.. مثلا: انظر من كلمات القدرة الى هذه الزهرة التي تنظر الينا في وقت قصير، ثم تفنى؛ تراها كالكلمة التي تزول لكن تودِع باذن الله في الآذان الوف تماثيلها، وفي العقول - بعدد العقول معانيها؛ اذ هي وقت تمام الوظيفة تُبقي وتودع في حافظتنا، وفي حافظة كل

لايوجد صوت