ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | لاسيما | 71
(57-79)

ووجودها من جُود جَوادٍ يوجد في كل ربيع جناناً مزينة كانموذجات تلك الجنة. فما هذه بأسهل من تلك، وما هي بأصعب عليه من هذه. فكما يحقّ، وحقٌ ان يُقال، وقد قيل: (لولاك لولاك لما خلقت الافلاك) يستحق أن يقال: لو لم يكن الاّ دعاؤك لخلقت الجنة لاجلك.
اللهم صلّ وسلّم على ذلك الحبيب الذي هو سيدُ الكَونين وفخرُ العالَمين وحياةُ الدارَين ووسيلةُ السعادتين وذو الجناحين ورسولُ الثقلين وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى اخوانه من النبيين والمرسَلين. آمين.
ولاسيما: انه يُشاهَد في جريان هذا العالم آثار سلطنة محتشمة في تسخير الشموس والاقمار والاشجار والانهار. فيُعلم أن لمتصرف هذه الموجودات، سلطنة محتشمة في ربوبية معظمة؛ مع ان هذه الدار بسرعة تحوّلها أو زوالها، كمنزلٍ في خانٍ اُعد للمسافرين، يُملأ ويفرغ في كل يوم، وكميدان امتحان يتبدل في كل وقت، وكمشهر اُحضر لاراءة انموذجات غرائب صنعة صاحب الموجودات، ونمونات احساناته. وهذا المشهر يتحول في كل زمان. مع أن الخلق والعباد الذين هم كالرعية ومدار السلطنة اجتمعوا في ذلك المنزل، وهم على جناح السفر في كل آن. وحضروا ذلك الميدان مستمعين ناظرين بمقدار سؤال وجواب، وهم على نية الخروج في كل زمان. وتوقفوا قليلاً في ذلك المشهر وهم على قصد التفرق في كل وقت وأوان.
فهذه الحالة تقتضي بالضرورة ان يوجد خلف هذا المنزل الفاني والميدان المتغير وبعد هذا المشهر المتبدل، قصورٌ دائمةٌ ومساكن أبدية وخزائن مفتحة الابواب مشحونة من جيّدات اصول تلك الانموذجات المغشوشات لتقوم تلك السلطنة السرمدية المشهودة عليها؛ اذ من المحال أن يكون قيام هذه الربوبية المحتشمة بأمثال هذه الفانيات الوانيات(1) الزائلات الذليلات!
------------------------

(1) ونى : فَتَر وضعف قال تعالى: ﴿وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾.

لايوجد صوت