فصل، بل في كل وقت، ظلال جلوات ذلك الجمال الدائم التجلي، مع تفاني المرايا وسيالية المظاهر.. ومِن بعض أزاهيره ونقشه: الربيع.؟
ثم انه من الحقائق المستمرة الثابتة: ان كل ذي جمال فائق يحب أن يشاهد جماله بنظره، وبنظر غيره؛ وينظر الى محاسنه بالذات، وبالواسطة؛ ويشتاق الى مرآةٍ فيها جلوة جماله المحبوب، والى مشتاق فيه مقاييس درجات حسنه المرغوب. فالحسن والجمال يقتضيان الشهود والاشهاد؛ وهما يقتضيان وجود مستحسنين متنزهين في مناظرهما، ووجود مشتاقين متحيرين في لطائفهما. ثم لأن الجمال سرمدي، يقتضي أبدية المستحسن المتحير؛ اذ الجمال الدائم الكامل لايرضى بالمشتاق الزائل الآفل؛ اذ بسرّ أن الشخص المقيد بنفسه، له نوع عداوة لما لايصل اليه فهمهُ او يدهُ، ولمن يردهّ او يطرده من دائرة حضوره، فيحتمل حينئذ أن يقابل هذا الشخص ذلك الجمال - الذي يستحق أن يقابل بمحبة بلا نهاية، بشوق بلا غاية واستحسان بلا حد - بعداوة وحقد وانكار.
الحاصل: ان هذا العالم كما يستلزم صانعه بالقطع واليقين، كذلك يستلزم صانعهُ الآخرةَ بلا شك ولاريب..
ولاسيما: ان لمالك هذا العالم رحيمية شفيقة في سرعة اغاثة الملهوف المستغيث، وفي اجابة الداعي المستجير؛ اذ قد نرى انه يراعي ادنى حاجة من أدنى خلقه، بدليل قضائها وقت وجودها من حيث لايحتسب، وانه يسمع اخفى نداء من أخفى خلقه، بدليل إسعاف مسؤوله ولو بلسان حاله.
فانظر! الى حسن تربية أطفال ذوي الحياة وضعفائها، كي ترى هذه الشفقة كالشمس في ضيائها. فهذه الشفقة الرحيمة الكريمة تقتضي اقتضاء ضروريا قطعيا أن تسعف أعظم حاجة وأشدها، من أعظم عباده وأحب خلقه اليه..