عالية، ومرحمة واسعة، بدرجة يَعرف باليقين مَن له بصيرة أنه لايمكن ان يوجد أكمل من حكمته، وأجمل من عنايته، وأشمل من مرحمته، وأجلّ من عدالته. فلو لم يكن في دائرة مملكته أماكن دائمة عالية ومساكن قائمة غالية، وسواكن مقيمة خالدة لتكون مظاهر لحقيقة تلك الحكمة والعناية والمرحمة والعدالة، للزم حينئذ انكار هذه الحكمة المشهودة، وانكار هذه العناية المبصرة، وانكار هذه المرحمة المنظورة، وانكار هذه العدالة المرئية؛ وللزم قبول كون صاحب هذه الافاعيل الحكيمة الكريمة سفيهاً لعّاباً وظالماً غداراً. فيلزم انقلاب الحقائق بأضدادها، وهو محال باتفاق جميع أهل العقل غير السوفسطائي الذي ينكر وجود الاشياء حتى وجود نفسه.
وهكذا مما لايعد ولايحصى من دلائل، أنه سينقل رعيته من هذه المنازل المؤقتة الى مقر سلطنته الدائمة، ومما لايحد ولايستقصى من امارات تبديله، هذه المملكة السيارة بتلك المملكة المستمرة.
كذلك(1) لا يمكن بوجه من الوجوه قطعاً وأصلاً، أن يوجد هذا العالم ولايوجد ذلك العالم، وان يبدع الفاطر هذه الكائنات ولايُبدع تلك الكائنات، وان يخلق الصانع هذه الدنيا ولايخلق تلك الآخرة؛ اذ شأن سلطنة الربوبية يقتضي المكافأة والمجازاة.
ولاسيما: يُعلَم بالآثار ان لصاحب هذه الدار كرماً عظيماً، ومثلُ هذا الكرم يقتضي كمال الاحسان، وحسن المكافأة. وان له عزة عظيمة تقتضي كمالَ الغيرة وشدة المجازاة؛ مع ان هذه الدار لاتفي بعُشر مِعشار عَشير ما يقتضيه ذلك الكرم وتلك العزة..
ولاسيما: ان لصاحب هذا العالم رحمة وسعت كل شئ، ومن لطائف تلك الرحمة شفقة الوالدات مطلقاً، حتى النباتات على اولادها، وسهولة أرزاق أطفال الحيوانات وضعفائها، وهذه الرحمة تقتضي
------------------------
(1) جواب كما لا يمكن سلطان بلا مكافأة...