ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | لاسيما | 67
(57-79)

فضلا واحساناً يليقان بها. انظر أين مقتضى هذا الرحمة، ثم أين هذه التنعمات الزائلة المنغصة، في هذه الدنيا الفانية - في هذا العمر القصير - التي لاتفي بقطرة من بحر تلك الرحمة؟ بل الزوال بلا اعادة يصيّر النعمةَ نقمة، والشفقة مصيبة، والمحبة حرقة، والعقل عقاباً، واللذة الماً، فتنقلب حقيقةُ الرحمة. فتلزم المكابرة بانكار الرحمة المشهودة، كانكار الشمس مع شهود امتلاء النهار من ضيائها. وكذا يُعلم من تصرفات صاحب هذا العالم ان له جلالَ حيثيةٍ وعزةٍ، يقتضيان تأديب من لا يوقّره وقهر من يستخف به، كما فعل بالقرون السالفة في هذه الدنيا مايدل على انه لايهمل وإن امهل.وكذا يفهم من اجراآته ان له غيرة عظيمة على استخفاف أوامره ونواهيه.
نعم، ومن شأن من يتعرف الى الناس بأمثال هذه المصنوعات المنظومات، ويتودد اليهم بأمثال هذه الازاهير الموزونات، ويترحّم اليهم بأمثال هذه الثمرات المزينات؛ ثم لايعرفونه بالايمان، ولايتحببون اليه بالعبادة، ولايحترمونه بالشكر الا قليل.. ان يعدّ لهم في مقر ربوبيته الابدية دار مجازاة ومكافأة.
ولاسيما: ان لمتصّرف هذا العالم حكمةً عامةً عالية، بشهادات رعاية المصالح والفوائد في كل شئ، وبدلالات الانتظامات والاهتمامات وحسن الصنعة في جميع المخلوقات. فهذه الحكمة الحاكمة في سلطنة الربوبية، تقتضي تلطيف المطيعين الملتجئين الى جناحها.. وكذا يشاهد ان له عدالة محضة حقيقية بشهادات وضعه كل شئ في الموضع اللائق، واعطاء كل ذي حق حقه الذي يستعد له؛ واسعاف كل ذي حاجة حاجته التي يطلبها - لوجوده او حفظ بقائه - واجابة كل ذي سؤال سؤاله. وبالخاصة: اذا سئل بلسان الاستعداد او بلسان الاحتياج الفطري او بلسان الاضطرار.. فهذه العدالة تقتضي محافظة حشمة مالكيته، وربوبيته، بمحافظة حقوق عباده في محكمة كبرى؛ مع أن هذه الدار الفانية أقل وأحقر وأضيق وأصغر من أن

لايوجد صوت