والتردد بدل تنفسِ الفم وتروّح الروح، فانه يزول، وهو منطلقٌ ولايرضى باليد منزلاً.
وقسم منها كالنور يُرى ولكن لايُحس ولايُؤخذ؛ فتوجّه ببصرِ بصيرتك مقابلاً له بقلبك، فان النور لايؤخذ ولايُصاد الا بالنور، ولاتمدّ يداً ماديةً حريصة، ولاتزنه بميزان الماديات فانه يختفى، وان لم ينطفى. ولايرضى بالماديّ حَبساً وقيداً وبالكثيف مالكاً وسيداً..
اعلم!(2) وانظر الى درجة رحمة القرآن وشفقته على جمهور العوام ومراعاته لبساطة افكارهم كيف يكرر ويُكثر الآيات الواضحة المسطورة في جباه السموات والارض فيُقرؤهم الحروفات الكبيرة الظاهرة التي تُقرأ بكمال السهولة بلا شبهة كخلق السموات والارض، وانزال الماء من السماء، واحياء الارض وامثالها. ولا يوجّه الانظار الى الحروف الدقيقة المكتوبة في الحروف الكبيرة الاّ نادراً. ثم انظر الى جزالة بيان القرآن كيف يتلو على الانسان ما كتبَتْه القدرةُ في صحائف الكائنات ، حتى كأن القرآن قراءة للكائنات ونظاماتها وتلاوة لشؤون مكونها وافاعيله. فان شئت فاستمع بقلب شهيد امثال سورة (عمَّ) وآية ﴿قُل اللّهُمَّ مالِكَ المُلك﴾(آل عمران:26) وامثالهما..
اعلم!(1) اني قد اكتب تضرع قلبي الى ربي - مع ان من شأنه ان يُستَرَ ولايُسطر - رجاءً من رحمته تعالى ان يقبل نطق كتابي، بدلا عني اذا اسكت الموت لساني (ومنه هذه المناجاة):
ياربي الرحيم ويا الهي الكريم!.
قد ضاع بسوء اختياري عمري وشبابي وما بقي من ثمراتهما الاّ آثام مؤلمة مذلة، وآلام مضرة مضلة، ووساوس مزعجة معجزة. وانا بهذا الحمل الثقيل والقلب العليل والوجه الخجيل متقرب بالمشاهدة
------------------------
(2) تراجع المذكرة الحادية عشرة.
(1) تراجع المذكرة الثانية عشرة.