ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | زهرة | 277
(255-282)

اين انا؟ واين نظرهُ الخاص وعنايته الخصوصية من بين مالايتناهى من المنعَم عليهم، مع ان قلبي محتاج لحبيب وشفيق خاص يعينني على حسياتي ويصاحبني. فالاولى ان اتخذ من دونه ولياً ومرجعاً، ثم يتحرى في خارج نظام العسكر روابط ومعاملات حتى يصير عاصياً، فيُطرد ويُحبس (كالفاسق المحروم). ويقال له: ألم تعلم ايها المسكين ان خزينة الملكِ تكفي لكل حاجتك وحاجات سائر الافراد المرتزقين؟. واما ما في يدك ويد اربابك فلا يكفي لأدنى حاجتك، اذ انت بين اعداء لاتُعد وآمال لاتُحد. وان قانون الملك لتجرده عن الماديات لايُشغل - ذلك القانون - نفرٌ عن نفر، بل يتوجه بتمامه لأي فردٍ كان. ولو كنتَ وحدكَ في السلك العسكري لما تفاوتَت المعاملة. فكأن السلطان ينظر اليك خاصةً دائماً في منظار قانونه، ويراك بأبصار ملتزمي قانونه، لاسيما اذا لم يكن السلطان مادياً كقانونه المجرد، فلا يغفل عنك حينئذٍ ولو طرفة عين. ففي عموم احسانه نظرٌ خصوصي اليك، بدليل انطباق الاحسان على الحوائج التي تخصك بذاتها، او تخصك بكيفياتها. ومفتاح هذا السر هو: ان الاحدية تتلمع في خلال وُسعة الواحدية، كتلمع عين الشمس في خلال الضياء المحيط حتى في كل ما مسه الضياء من الذرات الشفافة وكتلمع النظام التام في خلال المشوشية الظاهرية الناشئة من اشتباك اشتات الاشياء.
والحاصل: ان فاطرك ومالكك ارحمُ واكرمُ وألطفُ وأرأفُ بك من كل قريبٍ وحبيبٍ ورفيقٍ وشفيقٍ وهو العليمُ بك وباسرارك، وهو القديرُ على اعظمِ مطالبك وعلى اخفاها. فاترك الكلَّ وتوكل عليه..
اعلم!(1) ان كتاب الكائنات الذي هو (كتابُ القُدرة) مكتوبٌ على مِسطرِ (الكتاب المبين) الذي هو (كتاب العلم) بشهادة ان هذا النظام والميزان المشهودَين المحيطين بابان بعينهما من هذين الكتابين، ورابطة اتصالهما، وبرزخٌ بينهما، وعنوانان لقبضتي الرحمن: ولا

---------------------

(1) في المكتوب العاشر وفي حاشية المقصد الثاني من الكلمة الثلاثين يميّز الاستاذ النورسى بين الكتاب المبين والامام المبين.

لايوجد صوت