ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | زهرة | 276
(255-282)

سائر الأنواع؟ ام يجوز في زعمك ان لايرى خالقُ النطفة علقةً، والعلقةَ مضغةً، والمضغةَ عظاماً وكاسِ العظامَ لحماً ومنشئه خلقاً آخر ذا حياة؛ ومصوره بصورة تتلمع منها اثر صنعة عليمٍ، بصير حكيم، بما لا غاية فوق علمه ورؤيته وحكمته؛ ومجهزه بجهازات يتصرف بها ذلك الانسان المخرَج من النطفة في كثير من الانواع والعوالم. وان لايشاهد ذلك الخلاق عالم الانسان واحواله وشؤونه وما يجري على رأس نوع الانسان. وان لايعلم ادوار الانسان والعوالم التي يجول الانسانُ فيها بجسمه وحواسه وروحه وعقله وخياله، وغير ذلك مما اودع في جوهر الانسان من نظارات العوالم ومراصد الحقائق؟
ايها الغافل! اتظن انك حرّ ومأمون من مداخلةِ مَن يمد الى يدك بعصا الغصن رمانةً مصنوعةً لك وبخيط الشار(1) بطيخة مطبوخةً لاجلك؟ فمن غفلتك تظن صانعَ البطيخ غافلاً عن آكله، ومِن عُميكَ تتوهم صانعَ الرمانة قوةً عمياء لاتعلمُ ما تعمله للمتفكهين بالرمانة وطراوتها والمتحيرين في صنعتها القائلة: (سبحان من صوّرني فاحسن صورتي). والمتفكرين في لطافتها الناطقة بـ:﴿فتَباركَ الله أحسنُ الخالقينَ﴾ (المؤمنون:14). والمتأملين في انتظامها المتقن المنضّد المنادي باعلى صوته: ﴿ألاَ يعلَمُ مَن خَلَقَ وهوَ اللطيفُ الخبيرُ﴾(الملك:14). ام تحسب ايها الجاهل ان لايرانا ولا يعرفنا مَن يرسل الينا لحاجاتنا الخصوصية هذه الثمرات؟ او لايشاهدنا مَن يبث في ما بين ايدينا وفي خلال ديارنا ولمنافعنا بهيمات الانعام وسائر الحيوانات؟
اعلم! يامن يعتمد على نفسه وعلى الاسباب وعلى الدنيا! انك حينئذٍ تصير كالذباب ذي النُجيم يترك النهار بشمسه، ويعتمد على نُجيم نفسه وتلمّعه في الليل.. ومثلك كمثل نفر عسكر يتصور أن سلطانه يعمّ احسانه وانفاقه، حتى ادنى نفر وحيوان؛ ثم يقول في نفسه

-------------------

(1) شار العسل: اجتناه.

لايوجد صوت