خطاب المعبود الازلي بجميع اصوات القلوب وادعيتها واذكارها، بتظاهرٍ وتظافرٍ في اتفاقٍ وتساندٍ وتجاوب في وسعةٍ كأن هذه الارض تنطقُ هي بنفسها، وتصلي باقطارها وتمتثل باطرافها أمر: (اقيموا الصلاة) النازل بالعزّة والعظمة من فوق السموات السبع، حتى صار هذا الانسان المخلوق الضعيف - مع صغره وكونه كذرة بين هذه العوالم - عبداً محبوباً لخالق الارض والسموات وخليفة الارض، ورئيس الحيوانات، وغاية خِلقةِ الكائنات. الا ترى ان لو اجتمع في الشهادة كما في الغيب اصواتُ المكبرين البالغين مئات الملايين في آن واحد بـ (الله اكبر) في صلاة العيد وادبار الصلوات تساوي تكبير كرة الارض لو كبّرت، فكأن الارض في العيد تتزلزل زلزالها فتكبّر الله باقطارها واوتادها، وتتكلم من صميم قلب قِبلَتِها، بفم مكَّتِها بـ (الله اكبر) فتتموج كلمتُها متمثلةً في هواء كهوف افواه المؤمنين المنتشرين في اطرافها، بل - وكذا - في اطراف البرزخ والسموات جل جلالُ مَن خَلَقها ومَهَّدها وجعلها مسجداً لعباده سبحانه..
اعلم!(1) يامن يحب ان ينظر ويصل الى نور معرفة الحق سبحانه من مسامات الدلائل والبراهين ومن مرايا الآيات والشواهد، لاتتجسّس باصابع التنقيد ماجرى عليك، ولاتنقد بيد التردد ماهبّ اليك، ولاتمدنّ يدَك لأخذ نورٍ اضاء لك. بل تجرّد وتعرّض وتوجّه.. فاني قد شاهدت من انواع الشواهد والبراهين ثلاثة:
قسم منها كالماء يُرى ويُحسّ، ولكن لايُستمسك بالاصابع، فتجرد عن خيالاتك وانغمس فيه بكليتك، ولاتتجسسّ باصبع التنقيد، فأنه يسيل ولايرضى بالاصبع محلا.
وقسم منها كالهواء يُحسّ ولكن لايُرى ولايُتخذ.. فتعرّض بوجهك وفمك وروحك لنفحات رياح الرحمة، ولاتقابلها بيد الاخذ والتنقيد
------------------------
(1) تراجع المذكرة العاشرة.