لكمالها، بل بحساب من وظَّفها مُنعِماً عليها برحمته بإلقاء لذةٍ في وظيفتها.
ثم انظر الى النباتات والاشجار كيف تمتثل اوامر فاطرها بطورٍ يرمز بشوقٍ ولذة؛ اذ تزّيناتها ونشر روائحها تُظهِر شوقَها، وفداؤها نفسها لسنبلتها ولثمراتها تُعلن ان لذتها في امتثال الامر. اذ تُعد وتُحضر وهي سائلة من باب الرحمة اطيَب الغذاء، فتطعِم ثمرتَها باذن ربّها. ألا ترى شجرة التين كيف تُطعم التين لبناً خالصاً تأخذه من خزينة الرحمة وهي لاتُطعم نفسها الا الطين!.. وشجرة الرمان تسقي الرمان شراباً صافياً مما اعطاها ربُّها وهي لاتشرب الاّ الماء!.. وهكذا.
ثم انظر الى الحبوبات تَرَ فيها اشتياقاً ظاهراً للتسنبل كمثل المحبوس في اضيق المكان كيف يشتاق للخروج الى البستان. ومن هذا السر الجاري في الكون بسنةِ الله يكون العاطلُ المستريح اشقى من الساعي المجدّ، اذ ذاك شاكٍ من عمره، وهذا شاكرٌ. واندمجت الراحةُ في الزحمة، والزحمة في الراحة..(1)
ثم انظر الى الجامدات ترى فيها ان ما (بالقوة) يجتهد لأن يصير (بالفعل) ويسعى بسنة الله بطور يرمز الى ان في المسألة شوقاً ولذة. ألا ترى قطرة الماء كيف يشتمل قلبُها على شوق لامتثال امر بارئها، بحيث اقتدر الماءُ بشدّة ذلك الشوق مع لطافة الماء وضعفه على شق الحديد مع قوة مقاومته عند سماع امر: (توسَّع ايها الماء باذن ربك) بواسطة لسان البرودة! وهكذا.
حتى ان جميع ما في الكون من السعي والحركة: من اهتزاز الذرات، الى دوران الشمس انما يجري على قانون القَدر، وانما يصدر من يد القُدرة، وانما يظهر بالامر التكويني المتضمن للعلم والامر والارادة، بل يتضمن القُدرة ايضاً. حتى ان كل ذرة وكل
-------------------
(1) اي الراحة في التعب والنصب، والضيق والتعب في الراحة.