ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | ذرة | 300
(297-307)

اعلم! ان الدليل على ان الباطن أعلى وأتم شعوراً وأقوى حياة، وأزيَن واعلم واكمل واحسن وألطف من الظاهر.. وان ما على الظاهر من الحياة والشعور والكمال وامثالها، انما هو ترشحٌ ضعيف من الباطن - لا الباطن جامدٌ ميت اثمَر حيّا عليماً !- كون بطنك اكمل انتظاماً من بيتك، وجلدك احسنُ نسجاً من ثوبك، وحافظتك اتم نقشًا من كتابك. فقس على هذه الجزئيات عالمَ الملك وعالمَ الملكوت وعالمَ الشهادة، وعالمَ الغيب والدنيا والاخرة. فيا حسرةً على النفوس! ان النفس الامارة النظارة بعين الهوى ترى الظاهر حياً مونساً مفروشاً، على باطنٍ ميت عميق مظلم موحش..
اعلم! ان وجهك يتضمن من العلامات الفارقة عدد افراد الانسان الماضية والآتية، بل لو وجد الغير المتناهي من الافراد لتصادف كلُّ واحدٍ في وجهك ما يميزك عنه - مع التوافق في اركان اجزاء الوجه - كأن الوحدة تجلت من وجهك في كثرة غير متناهية.
فالتوافق في اساسات اعضاء افراد الانسان والحيوان يدل بالبداهة على ان الصانع واحد احد. والتخالف في التعّينات المنتظمة يدل بالضرورة على ان الصانع مختار حكيم.
ويتعاظم هذا السر بالنظر الى كل فردٍ فردٍ.. ومن أبعد المحالات وابطلها ان لا يكون هذا التمييز الحكيم والتخالف المثمر والتفريق المفيد بقصدِ قاصدٍ واختيارِ مختارٍ وارادة مريد وعلم عليم.
فسبحان من ادرج وكتب الغير المتناهي في صحيفة الوجه ، بحيث يُقرأ بالبصر ولا يحاط بالعقل. نعم يقرأ بالنظر واضحاً مفصلاً ولا يُرى بالنظر إجمالُهُ، بل ولا بالعقل ايضاً. فهو المعلوم المُبْصر، المجهولُ المطلق، والمشهودُ الغائب. فمحالٌ بمراتب ان يكون هذا التخالف المنتظم المفيد في نوع الانسان، والتوافق المطّرد المتناظر في انواع امثال الحنطة والعنب، وكذا النحل والنمل والسّمك، بالتصادف الاعمى والاتفاقية العوراء، كلاَّ ثم كلاَّ. انه لصنعةُ سميعٍ، بصير، عليم، حكيم.

لايوجد صوت