لكل شئ، لامتناع ان يكون خالق البطيخ غير خالق نواته التي هي انموذجه المصغر المتلخص منه المحاط به...
اعلم! انك مقيد بالتعين، في مقيد بالبدن، بمقيد بالعمر، محدود الحياة في محدود البقاء بمحدود الاقتدار. فحينئذ لابد ان لا تصرف هذا العمر القصير القليل الفاني للفاني حتى يفنى، بل للباقي ليبقى؛ اذ الاستفادة منه هنا تصير مائة سنة، كمائة نواة نخلة تتآكل مع يبوستها وقلة نفعها واضاعة فوائد الغرس على آكلها، وان وجّهت الى الآخرة وسقيت بماء الشريعة صارت مائة نخل باسقات.. الحق ان من يشترى بمائة نخل باسقات، مائة نواة يابسات.. فهو لائق لان يكون حطب الحُطَمَة..
اعلم! ان مخزن الاوهام والشبهات بل الضلالات فرضُ النفس نفسَها خارج الدائرة التي تجلى القدرُ والصفات الالهية فيها، ثم تفرضُ النفسُ نفسَها الاجنبية(4) في موقع الشئ الذي تعلّق به القدرُ وتجلى عليه اسمٌ من الاسماء الالهية فتفنى فيه، ثم بصبغة الاجنبية تشرع تُخرج ذلك الشئ ايضا عن ملكِ الله، وتصرِّف قدرتَه بتأويلاتٍ تصير بها استاذ الشياطين، وتعكس حالاتها المترشحة من شركها الخفي في ذلك الشئ المعصوم. فالنفس الامارة كالنعامة ترى فيما عليها، لها وجهاً،(1) وكالسوفسطائي تقول للمتخاصميَن: يا هذا دليل خصمك يردّك، وكذا: ياذا دليل هذا يبطلك، فلا حق لكما..(2)
اعلم! ان النفس تديم الغفلة بربط الدنيا بالآخرة، كأنها منتهاها، كلا بل معكوستها. فبتصور الآخرة - ولو مع الشك - تتخلص من دهشة فناء الدنيا وألم الزوال، وبسبب الغفلة او الشك تريد الخلاص من كلفة العمل للآخرة وتنظر الى الاسلاف الميّتين، كأنهم احياء غائبون، فلا تعتبر
--------------------
(4) حيث فرضت نفسها اولاً خارج الدائرة.
(1) تظن ان في الامور التي تدينها وجها يؤيدها ويسندها (ت: 66).
(2) اي: دليل الواحد يرد الاخر، فلا يبقى دليل لأحد (ت: 166).