فاذا كان اوسعُ اطوار الكثرة وابعدها وارقاها وانسب مراتب الكثرة لجولان التصادف - لو كان - واكثرها انتشارا وادناها اهمية هكذا غير مُهمَل ولا سدىً، بل محفوظاً من يد التصادف، حتى صار ميدانا لجولان القصد الحكيم والاختيار العليم والارادة السميعة البصيرة. فيا ايها التصادف لا محل لك في ملك الله فاذهب مع اخيك الطبيعة وابيك الشرك الى جهنم العدم والفناء بل الامتناع. وآية ﴿وَمِنْ آيَاته خَلْقُ السَّمواَتِ والارْضِ وَاخْتلاف اَلْسِنَتِكُمْ وَالْوانكُمْ﴾(الروم:22) اشارت الى أول مراتب تجلّي الحكمة والى آخرها..
اعلم! ان مما يوسوس به الشيطان، انه يقول: ان البقر مثلا لو كان مُلكاً ونَقشاً للقدير الازلي العليم لما كان هكذا مسكيناً، اذ حينئذ تحت جلده وداخل بيته يحكم قلمُ قدير عليم مريد على الاطلاق؛ فكيف صار فوق الجلد وخارج البيت هكذا عاجزاً جاهلاً يتيماً مسكيناً ؟
قيل له : ايها الشيطان الإنسي الذي صار استاذاً لشياطين الجن!.
اولاً: لو لم يكن صنعة القدير الازلي الذي يعطي كل شئٍ ما يليق به بمقدار المصلحة ، لزم ان يكون اذن حمارك اعقل واحذق منك ومن اساتيذك، ولزم ان يكون في داخل اصبعك مثلا: شعوراً واقتداراً يزيدان على شعورك واختيارك بمراتب. فمَن قيَّدَهما في حدِّهما مع ان شأن هذه اللطائف الانبساط والانتشار.
وثانيا: إنّ القدر يرسم مقداراً وقالباً، يُنشئ منه قابليةً، تقبل من الفيض المطلق مقدار قالبه، وكل ما يترشح من الداخل الى الخارج فبمقياس الجزء الاختياري وميزانه، وبقدر الاحتياج ودرجته، وبمساعدة القابلية وتحملها، وبميزان نظام حاكمية الاسماء وتقابلها. فليس المصنوع البقر فقط، خارجُه داخل آخرٍ. ففي كل شئ الداخل مظهر المطلق، والخارج مظهر المقيد. ومن طلب اضاءة الدنيا وجذب السيارات ومركزية العالم وامثالها من لوازم عظمة الشمس وحشمتها، من شميسة الحباب انعزل عن العقل.