ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | ذرة | 304
(297-307)

بالموت. وكثيراً ما يثبت عروق مطالبها الدنيوية في ارض الآخرة للتأبيد بدسيسة ، ان تلك المطالب لها وجهان: وجه الى الدنيا لاثباتَ له، بل هباء منثوراً. ووجه الى الآخرة تتصل اساساته بارضها فتدوم، كالعلم مثلا له وجه مظلم ووجه مضئ. فالنفس الشيطانة تريك المضئ وتُبلعك المظلم.(3) اذ النفس نعامة (دوه قوشي) والشيطان سوفسطائي، والهوى بيطاشي..(4)
اعلم! اني قد تيقنت بلا ريب انه لو لم تصدق (الموجبة الكلية) لزم صدقُ (السالبة الكلّية) في مسألة خلق الاشياء؛ اذ كل الخلق بالتساند المنتظم كلّ لا يقبل التجزي، فإما وإما(5). مع ان الوهم الذي يطيق ان يتوهم عدمَ العلة في كل شئ اهون بمراتب من نسج العنكبوت، فالقبول في شئ ما، يستلزم بالحدس الصادق القبول في كل شئ.
وكذا ان الخالق إما واحد واما غير متناه، لا وسط قطعاً، اذ الصانع لو لم يكن واحداً حقيقياً، لكان بالضرورة كثيراً حقيقياً. وهو ما لا يتناهى. وعلى الثانى مع محالات عجيبة يلزم عدم التركيب وفقد الوحدة مطلقاً وامتناع الوجود.
اعلم! انه كما ان من المحال الظاهر ان يكون منيرٌ غير متنور. والموجد غير موجود، والموجب غير واجب.. كذلك محال ان يكون مُنعِم العلم غير عالم، ومحسن الشعور غير ذي شعور ، ومُعطي الاختيار غير مختار. ومفيض الارادة غير مريد ، وصانع المكمل غير كامل. وهل يمكن ان يكون مرسم العين ومصور البصر ومنور

----------------

(3) اي: تريك الوجه المضئ من العالم بأن له فوائد ستظهر في الآخرة وإن لم تظهر في الدنيا. وذلك ليُبلعك الوجه المظلم منه (ت: 166).
(4) التشبيه هنا مبني على اسس معينة؛ فالنفس تغمر رأسها في الغفلة كالنعامة لئلا يصيبها الاجل، والسوفسطائي ينكر كل شيء كالشيطان، والبكتاشي كالهوى يغيّر معاني الاشياء فيقول: مثلاً: الصلاة ليست مفروضة، اذ قال الله ﴿لا تقربوا الصلاة﴾ ولا يتم الآية ﴿وانتم سكارى﴾.
(5) فإما أن الله خالق كل شئ وإما أنه ليس بخالق شئ (ت: 167).

لايوجد صوت