وحشمتها، من شميسة الحباب انعزل عن العقل.
نعم، يصف الحباب تلك اللوازم ولا يتصف..
اعلم! انك صنعة شعورية بحكمة، حتى كأنك بوضوح الدلالة على صفات الصانع؛ مُجَسَّم الحكمة النقاشة، ومتجسَّدُ العلم المختار، ومُنجَمَدُ القدرة البصيرة بما يليق بك، وثمرة الرحمة السميعة لنداء حاجاتك، ومتصلّب الفعل المريد لما يريده استعدادك، ومتكاثَف الانعام العليم بمطالبك، وصورة القدر المرسِّم المهندس الخبير بما يناسب بناءك. فكيف يمكن لك ان تذهب بجزئك الجزئي الاختياري والشعرة الشعورية، وتخلص عن احكام الكل وتصير حراً برأسك. ثم ترجع تقيس الكل على الجزء؟ وكيف يتيسر أن تتغافل عن مالكك المالك لكل شئ ؟ وكيف تتوهم مع هذا العلم ان ليس عليك رقيب، سميع، بصير، عليم، مجيب، مغيث.. يسمع انيناتك يبصر فاقاتك ويعلم جناياتك ؟
يا نفسي المسكينة ، لم تتوهمين نفسك خارجة؟(1) حتى يلزم عليك مراعاة كل حي واحترامه، او ظلم الكل بعدم الاهمية. فهذا حمل ثقيل لا يطاق حمله، فحينئذٍ لابد ان تتركي الاجنبية الشركية(2) وتدخلي في دائرة ملك الله، لتستريحي بالاخوة، بل تصيرين اختا كبيرة محترمة. ألا ترين ان مثلك كمثل من كان في سفينة مشحونة بمال السلطان وقد فُوّض اليه تدبير جزئي من دواليبه، فوضع الشخص الابله ذلك الدولاب المربوط بالسفينة مع ارزاقه على ظهره بكمال الاهتمام. فان كان له جزء من العقل لقال: اني ايضا في السفينة فاطرح فيها ما لي مع مال مالكها.. وكذا واحملي الدساتير الاسلامية على سفينة دماغ عالم الاسلام لتستفيدي وانت مستريحة مطمئنة...
اعلم! ان من خلقك لا يبعد منه ولا يستغرب ان يخلق العالم بجميع ما فيه، لانه فيك ما فيه(3)، بل يجب ان يكون خالقك هو الخالق
-----------------------
(1) خارجة عن دائرة الاوامر الالهية (ت: 166).
(2) الشرك الذي هو اجنبي عن الفطرة (ت: 166).
(3) فانه خلقك وخلق فيك ، وهو يخلق العالم ايضاً بما فيه فأن فيك ما فيه (ت: 166).