اعلم! ان العموم لا ينافي القصد الخصوصي والعناية الشخصية في الإنعام، اذ نِعم الله ليست مثل مال الوقف او ماء النهر(2)، حتى يرى إنعاماً على الاطلاق، وحتى لا يحس الشخصُ في نفسه احتياجاً الى الشكر الخاص. وان التعيّنات، والخصوصيات، ليست كالاواني والقوالب الحاصلة اولا، حتى يكون التعين، هو الذي يحصّل وجهَ الانعام للمتعين. اذ المنعم الحقيقي جل شأنه يصنع لكل فرد قصعة تناسبه، ثم يملأها من طعام نعمته فيحسنهما بالقصد الخصوصي للشخص باسمه ورسمه. فكما وجب الشكر على مطلق النعمة، وجب على الخاصة بالخصوصي.
اعلم! ان الكتاب الكبير المشهود (اي العالم) والكتاب العزيز المسموع (اي القرآن) بَخسَ اكثر البشر حقّهما، اذ فيلسوفهم المتفكر لا يعطي بالذات (للواجب) الا جزءاً بسيطا وقشرا رقيقاً او تركيباً اعتبارياً، ثم يقسم الباقي على علل موهومات، بل ممتنعات، واسماء بلا مسميات ﴿قَاتَلَهُمُ الله أنّى يُؤفكُونَ﴾ (التوبة:30). واما الموحّد، فيقول: الكل مالُه ومنه واليه وبه. اما القرآن، فاديبهم المتخيل لا يعطي لذي العرش من ذلك القصر المحتشم(1) من اساساته المتينة ودساتيره المكينة واحجاره المذهبة واشجاره المزهرة الا بعض نقوش النظم، وقسماً من المعاني.. ثم يقسم الباقي من تلك النجوم السماوية على ساكني الارض بدسيسة تلاحق الافكار. (تُوه)(2) على عقله الذي خيل اليه تطاول يد البشر الى النجوم بتبديلها والتصرف في اجرامها. مثله كمثل من يعطي لفياض البحر بعض الحبابات. والمؤمن المحقق يقول: كل ما اشتمل عليه(3) من اول الاساسات الى آخر نقوش النظم منه وله. وان القرآن لُفَّ في اساليب هي معاكِسُ الوفِ مراتب
---------------------
(2) اي ليست مشاعاً وعاماً للجميع (ت: 171).
(1) المقصود : القرآن الكريم.
(2) كلمة تضجر وتحقير.
(3) اي القرآن الكريم.