ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | القطعة الثانية | 312
(308-313)

مقتضيات المقامات وحسيات المخاطبين. وكذا مرّ القرآن على سبعين الف حجاب؛ وتداخل الى اعماق القلوب والارواح، وسافر ناشراً لفيضه ومونساً بخطابه على طبقات البشر، يفهمه ويعرفه كلُ دور، ويعترف بكماله ويقبله كل قرن. ويستانس به ويتخذه استاذاً كل عصر، ويحتاج اليه ويحترمه كل زمان بدرجة يتخيل كلٌ: انه اُنزل له خاصة. فليس ذلك الكتاب شيئاً رقيقاً سطحيا، بل بحر زخّار وشمس فياض وكتاب عميق دقيق.
اعلم! انظر الى الماء والهواء كيف خلقا سهلين سلسين، فسبحان من يرزق ويلقم المكروب والفيل، فانظر طباخ القدرة كيف صنع طعاماً لا يضيق عن لقمته فم النحل ويملأ فم الفيل، ولا يتكبر على فم المكروب ولا يتكبر عليه فم الكركدن، ويقول كلاما يسمعه صماخ الذرة ويمتلئ به اذن الشمس، ويعطي للكلمة التي تتكلم به تناسلا واستنساخاً، بوجه يمتلئ بعين تلك الكلمة كهف الجبل فيجيبك بالصدى، ولا تتعاظم على الحجيرة التي في صماخ البعوضة.
اعلم! انه يليق ان يتصور وقت الصلاة عالم الاسلام مسجداً، محرابه مكّة وآية المحراب الكعبة، يصلي في ذلك المسجد اجيال. فاذا سجدوا في الفناء، يجئ اجيال اُخر فيصلون فيذهبون، فيملأ ويفرغ دائماً. فالاعصار كدقائق وقت العصر في مسجد (بايزيد)..
اعلم! يا سعيد!. من السعادة ان تترك اليوم على الكرم منك - وانت عزيز مستبقياً للفضيلة - ما يتركك غدا على الرغم منك وانت ذليل، مبقيا عليك الخسارة؛ اذ ان تركتَ الدنيا انسللت من شرها واورثت خَيرها، واذا تركتك انسللت من خيرها واثمرتْ لك شرها.
اعلم! ان المدنية الفاسقة ابرزت رياء مدهشاً يتعذر الخلاص منه على اصحاب المدنية، اذ سمّت الرّياء بـ (شان وشرف)(1) وصيرت المرء يرائي للمِلَل ويتصنع للعناصر كما يرائي للاشخاص، وصيرت

-----------------

(1) اي: الشهرة.

لايوجد صوت