في العادّيات المستمرة مع انها كلها خوارق معجزات القدرة، وما يمُعنون النظر الا في ما فوق العاديات من نوع التجليات السيالة، كمن لا ينظر من مجموع البحر - مع ما في بطنه من الحيوانات - الا الى تموّجاته بالهواء وتلألئه بشعاعات الشمس. فيستدل بهذين الحالتين فقط على عظمة مالك البحر وصانعه جلّ جلاله.
اعلم ! ان اكثر معلومات البشر الارضية ومسلّماته، بل بديهياته مبنية على الالفة، وهي مفروشة على الجهل المركب. ففي الاساس فسادٌ أيّ فساد. فلهذا السر توجِّه الآياتُ انظارَ البشر الى العاديات المألوفة، وتثقب نجوم القرآن حجاب الالفة ويأخذ(1) باذن البشر ويميل رأسه، ويريه ما تحت الألفة من خوارق العادات في عين العاديات .
اعلم ! ان المناسبة حتى المكالمة لا تستلزم التساوي ولا التداني ولا التشابه. فقطرة المطر وزهرة الثمر لهما مناسبة ومعاملة مع الشمس(2). فيا ايها الانسان ! لا تحسبن ان حقارتك تسترك عن نظر عناية خلاق الكون..
اعلم ! ان ما اشتهر من وقوع بسط الزّمان وطيه لبعض الاولياء كما وقع للشعراني(3) في مطالعته للفتوحات المكية، في يوم واحد مرتين ونصفاً، كما في آخر (اليواقيت والجواهر) لا ينبغي ان يستغرب فيستنكر؛ اذ فيما تراه له نظائر تقربه الى الفهم؛ الا ترى انك ترى في الرؤيا كأن مر عليك سنة(4) في ليلة بل في ساعة. ولو قرأت القرآن بدل ما جرى عليك، وما شاهدته من الاقاويل والافاعيل لقرأت ختمات في تلك الساعة. ففي انكشاف هذه الحالة لاهل الكشف في اليقظة ينبسط الزمان، ويطول العمر، ويتقرب الى دائرة الروح التي
-------------------
(1) يأخذ القرآن.
(2) اي: رغم صغرهما فلهما علاقة وتعامل مع الشمس (ت: 180).
(3) (898-973هـ) عبد الوهاب بن احمد بن علي الحنفي، الشعراني من علماء المتصوفين، ولد في قلقشندة بمصر وتوفي في القاهرة. له تصانيف منها : (الانوار القدسية في معرفة آداب العبودية" و"لطائف المنن" و"الميزان الكبرى" (الاعلام 180/4 الزركلي).
(4) في (ط1) مرّ عليك سنة بل سنون في ليلة.