ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | شمة | 327
(322-332)

اعلم ! ان عظمة الالوهيّة وعزّتها واستقلالها تستلزم دخول كلّ شئ مطلقاً عظيماً او حقيراً اعظم الاشياء واخَسها تحت تصرفها ـ فخستُك وحقارةُ احوالك لاتستلزم خروجك(2). اذ بعدُك لا يستلزم بعدَه، وحقارة صفتك لا تستلزم حقارةَ وجودك. وتلوث وجه المُلك فيك، لا يستلزم تلوث ملكوتك.. وكذا لا تستلزم عظمة الخالق خروج الحقير عن تصرفه، اذ العظمة الحقيقية تستلزم الاحاطة، والانفراد في الايجاد...
اعلم ! ان المادي الكثيف كلّما تعاظم تباعد عن الدقائق والخفايا وتقاصر يده عنها. واما النور فكلّما تعاظم وتعالى كان اتم نفوذاً في الخفايا والدقائق. وكلما كان النور ألطف كان اكشفَ لباطن الشئ كشعاع (رونتكن). فاذا كان هذا هكذا في الممكن المسكين والكثرة المشوشة، فكيف بنور الانوار من طرف الوجوب والوحدة العالِمِ بالأسرار ومدبّر الليل والنهار؟ فعظمته تستلزم الاحاطة والنفوذ والشمول!
اعلم ! وانظر الى كمال مراعاة القرآن ومماشاته وتأنيسه لأفهام جمهور العوام الذين هم الاكثر المطلق. اذ يذكر في المسألة ذات الدرجات، الدرجة القريبة اليهم، والصحيفة الواضحة لنظرهم، والا لزم ان يكون الدليل اخفى من النتيجة.
فالقرآن يذكر الاشياء الكونية للاستدلال على صفات الخالق جلّ جلاله. فكلما كان اظهرُ لفهم الجمهور كان اوفق للارشاد، مثلا:
يقول: ﴿ومن آيَاتهِ خَلْقُ السَّموَاتِ والارضِ واخْتِلافُ السنتكُمْ والوانِكُمْ﴾ (الروم:22) مع ان خلف طبقة الالوان مسافاتُ تعيّناتِ الوجهِ كما اشير اليها في (ذرّة) ويقول: ﴿انّ في خَلْق السَّموات والارْضِ

-----------------------

(2) خروجك عن تصرفها (ت: 177).

لايوجد صوت