ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | شمة | 326
(322-332)

اعلم ! ان من يحفظ بيضات الهوام والسمك وبذور الحشرات والنباتات، حفظاً رحيماً نظيماً حكيماً، كيف يليق بحفيظيته وحكمته ان يهمل ولا يحفظ اعمالك التي هي نواتات لاشجار مثمرة في الآخرة، وانت حامل الامانة وخليفة الارض ؟ مع ان شدّة حس حفظ الحياة في كل حي، وشدّة حسّ التأليف للبقاء والادامة بين المتباينات المجتمعة يدلان بالحدس الصادق على ان الوجود ينجر الى البقاء الابدي بتجلي اسم (الحي الحفيظ الباقي).. وايضا رمزٌ من القدر الالهي الى ان في الفاني ما يبقى.
اعلم ! ان من يحفظ بذر التينة مثلا في الاطوار ويحميه في الادوار ويصونه عن الانحلال ويحفظ في تلك البذيرة لوازمات شجرة التينة بكمال الاهتمام والمحافظة، وهكذا سائر النباتات والحيوانات.. لا يهمل - ذلك الحفيظ - البتة اعمالَ البشر خليفة الارض بالضرورة وبالحدس الصادق.
اعلم ! ان المعنى يبقى واللفظ يتبدل، واللب يبقى والقشر يتمزق، والجسد يبقى واللباس يتخرّق، والروح يبقى والجسد يتفرق، و (أنا) يشب والجسد يشيب، والواحد يبقى والكثير يبلى، والوحدة تديم والكثرة تتمزق، والنور يبقى والمادة تتحلل. فالمعنى الذي يبقى من اول العمر الى الآخر، مع تبديله لأجسادٍ، وانتقاله في اطوار، وتدحرجه على ادوار مع محافظة وحدانيته(1)، يدل على انَّه يتخطى على الموت ايضاً وينسل من كلاليبه، متشقق الجسد، عريان الروح، سالماً في طريق الابد. وشدّة دستور الحفظ والمحافظة في الماديات التي الاصل فيها الفناء ، تدل بالحدس القطعي وبالطريق الأولى على جريان ذلك القانون الباقي في المعنى والنور والروح الواحد البسيط، التي الاصلُ فيها البقاء .

---------------------

(1) اي مع الحفاظ على بقائه ووحدته (ت: 177).

لايوجد صوت