وان الانسان لإحتياجه الى كل شئ من اصغر جزء جزئي الى اكبر كل كلّي، لا يليق ان يَعْبُد الاّ مَن (بيده ملكوت كل شئ وعنده خزائن كل شئ) .
وان نفس الانسان من جهة الوجود والايجاد والخير والفعل في غاية الصغر والقصور والنقص، ادنى من النمل والنحل واضعف من العنكبوت والبعوضة. ومن جهة العدم والتخريب والشر والانفعال، اعظم من السموات والارض والجبال. مثلا: اذا احسن، احسن بما تسعه ذات يده وتصل اليه قوة ذاته. واذا اساء، اساء بما يتعدى وينتشر.
فبسيئة الكفر يحقّر مجموعَ الكائنات والموجودات بتنزيل قيمتها من اوج كونها مكتوبات ربّانية ومرايا إلهية الى حضيض صيرورتها مواد متغيرة سريعة الزوال والفراق، يلعب بها التصادف بالعبثية.. ويُسقط الانسان الذي هو قصيدة منظومة موزونة معلنة لجلوات الاسماء القدسية، ونواةٌ لشجرة باقية، وخليفة تفوق على اعاظم الموجودات بحمل الامانة، الى دركة جعلِهِ اذلَّ من اذلّ حيوان زائل فان، واضعف واعجز وافقر.
وكذا ان الانسان من جهة (أنا) له اختيار كشعرة، واقتدار كذرة، وحياة كشعلة، وعمر كدقيقة، وموجودية هي جزء جزئي مما لا يعد من انواع لاتحد في طبقات الكائنات.. ولكن من جهة عجزه وفقره له وسعة عظيمة اذ له عجز عظيم بلا نهاية، وفقر جسيم بلا غاية، يتيسر له ان يصير مرآة واسعة لتجليات القدير بلا نهاية والغني بلا غاية.
وكذا ان الانسان من جهة الحياة الدنيوية المادية الحيوانية كنواة، تصرف الجهازات المعطاة لها للتسنبل والتشجر في وسعة عالم الفضاء الى جلب موادَّ واهيةٍ في مضيق التراب الى ان تتفسخ بلا فائدة.. فمن جهة الحياة المعنوية كشجرة باقية امتدت اغصانُ آمالها الى الابد.