المسماة بالتركي (هرجائي منكشه)(1) كيف تتصرف يدُ الصانع الحكيم في تلويناتها وتزييناتها وهي واحدة. لكن تظهر وتنظر اليك متبسمة، لا بل متعبسة في عشرين صورة.
فسبحان من يتعرف الينا بلطيف صنعه. ويعرِّف الخلائق في قدرته بعجائب تصرفه في التراب. ومما يرمز الى هذا السر حديث (اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)(2).
فان كان هذا هكذا؛ فلا تتوحش من التراب وذهابك فيه، ولا تتدهش من القبر وسكونك فيه..
اعلم ! ان عقلي قد يرافق قلبي في سيره فيعطي القلبُ مشهودَه الذوقي ليد العقل؛ فيبرزه العقلُ على عادته في صورة المبرهَن التمثيلي. ومن تلك الحقائق ان الفاطر الحكيم كما انه بعيد بلا نهاية، كذلك قريب بلا غاية. وكما انه في اَبطن البطون، كذلك فوق الفوق. وكما انه ليس داخلا، كذلك ليس خارجاً.
فان شئت فانظر الى آثار رحمته المنثورة على سطح كرة الارض، والى معمولات قدرته المنشورة في دوائر صحائف الارض لتشاهد هذا السر متلمعاً من سطورها: اذ لابد لصانع ذرتين، او زهرتين، او ثمرتين، او نحلتين في مكانين في آن واحد، من بُعْدٍ ازيد من البعد بينهما. واذا كانتا: في الكرة والدائرة،(1) مع تخلل اعظم القوس بينهما، فحينئذٍ لابد للمقابلة التامة - على التساوي الضرورية المشهودة - من بُعدٍ بلا حد. هذا في وجه الظاهر، وفي جانب المُلك. واما في وجه الباطن وفي جهة الملكوت؛ فلابد لتساوي المقابلة - بلاكيفية - المشهودة، في كمال سهولة الايجاد وسرعته، مع الجود المطلق، في الاتقان المطلق من قرب بلا نهاية. لا كقرب المركز
---------------------
(1) نوع من الاقحوان من نباتات الظل.
(2) تكملة الحديث : (فاكثروا الدعاء): اخرجه مسلم برقم 482 وابو داود برقم 875 والنسائي 2/226 عن ابي هريرة ( وانظر كشف الخفاء للعجلوني 1 / 160).
(1) اى احداهما في الكرة الارضية والاخرى في مدارها.