ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | شعلة | 422
(393-427)

اعلم ! ان ما اقتضى ( تكرار بعض اجزاء القرآن) ما اقتضى تكرار الأذكار والأدعية. اذ القرآن كما انه كتاب حقيقة وشريعة، وكتاب معرفة وحكمة، كذلك هو كتاب ذكر ودعاء ودعوة.. والذكر يردَّد، والدعاء يُكرر، والدعوة تؤكّد..
اعلم ! ان من مزيّات علو القرآن ؛ ايرادُ مذكّرات الوحدة، خلفَ مباحث الكثرة. والاجمالُ عقيب التفصيل. وترديف بحث الجزئيات، بدساتير الربوبية المطلقة. ونواميس الصفات الكمالية العامة الشاملة، بذكر فذلكات كالنتائج. او كالتعليلات في اُخريات الآيات. لاجل ان لا يتغلغل ذهن السامع في ذلك الجزء الكوني المذكور، فينسى (عظمة مرتبة الالوهية المطلقة) . حتى يخل بلوازم آداب العبودية الفكرية، لذى العظمة والهيبة والكبرياء . وكذا ليبسط ذهنك من ذلك الجزئي، الى امثاله واشباهه.. وكذا يريك القرآن بهذا الاسلوب، ويفهّمك ان في كل جزئي ولو حقيرا وزائلا سبيلا واضحا ، وصراطا مستقيما، ومحجةً بيضاء الى معرفة سلطان الازل والابد، والى شهود جلوات اسماء الاحد الصمد.
مَثلُ القرآن في هذا الاسلوب؛ كمثل من يريك قطرة ماء فيها شُميسة، او زهرةً فيها تجلي الوان ضياء الشمس. فيريك بلا مهلة (الشمس) في رابعة النهار بحشمتها. ويرفع رأسك اليها، لئلا تتشوش عليك الحال، فتتصاغر عندك الشمس فتصير تنكر لوازم عظمتها.
مثلا في سورة يوسف: ﴿وفَوْقَ كُلّ ذي عِلْمٍ عَليم﴾(يوسف:76) خلف امر جزئي(1).. وكذا في سورة الحج: ﴿مَا قدروا الله حَقَّ قَدْرِهِ﴾(الحج:74) وفي سورة النور: ﴿واذا بَلَغَ الاطْفاَلُ﴾ الى ﴿والله عَليم حَكيم﴾(النور:59).

-----------------

(1) المقصود : الكيد الذي دُبّر لابقاء الاخ الحقيقي لسيدنا يوسف عليه السلام.

لايوجد صوت