ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | شعلة | 424
(393-427)

منشورة على اغصانها الرقيقة الدقيقة، بأهونَ من انشاء ابناء نوع الانسان على عظامهم الرميمة المتفرقة..
اعلم ! انه كم من نعمة كقطرة معصورة بنظام رقيق، وميزان دقيق من كل الكون كالثمرة من الشجرة. فان كانت معصورة محلوبة على الحقيقة مع غاية البعد، فما المنعِم الاّ مَن في قبضته كل الكون يعصره كيف يشاء، كما هو الظاهر الحق المشهود. فما المُنعِم الاّ الذي خزائنهُ بين الكاف والنون. فما من نعمة الا مِن الذي صيّر (كن) مصدر الكون. وما المنة والشكر الاّ له سبحانه.
اعلم ! ان مما افيض على قلبي من فيض القرآن من كثرة ذكره احياء الارض، وجلبه انظار البشر الى التراب؛ ان الارضَ قلبُ العالم. والترابَ، قلبُ الارض. وان اقرب السبل الى المقصود يذهب في التراب، من باب التواضع والمحوية والفناء. بل هو اقرب من اعلى السموات الى خالق السموات؛ اذ لا يُرى في الكائنات شئ يساوي التراب في تجلي الربوبية عليها، وفعالية القدرة فيها، وظهورِ الخلاقية منها، والمظهرية لجلوات اسمَي الحي القيوم.
وهكذا، فكما ان (عرش الرحمة) على الماء، كذلك ان (عرش الحياة والاحياء) على التراب، والتراب اجمع المرايا واتمها. اذ مرآة الكثيف كلما كان الطفَ واشفّ؛ تريك صورةَ الكثيف اوضحَ واظهر واتم. لكن مرآة اللطيف النوراني كلما كان اكثفَ؛ كان التجلي بالاسماء عليها اتم. ألا ترى الهواء لا يأخذ من فيض الشمس الا ضياءً ضعيفا. والماء وان اراك الشمس بضيائها، لكن لا يفصل الوانه. مع ان التراب يريك بازاهيره مفصل كل ما اندمج في ضيائها من الالوان السبعة ومركباتها. مع ان هذه الشمس قطرةٌ متلمعة كثيفة؛ بالنسبة الى نور شمس الازل. وتزين التراب وتبرّجه في الربيع؛ بما لا يحد ولا يعد من لطيفات الازاهير، وجميلات الحيوانات المنادية على كمال ربوبيته، شاهدٌ مشهود. فان شئت فانظر الى هذه الواحدة،

لايوجد صوت