التين حتى تتشجّر تينةً مثمرةً.. ثم اقلعها وأدفنْ بَدَلَها نواةَ الرُّمانةِ. ثم بعدُ نواة التّفاح.. ثم.. وثم.. وثم.. حتى تستوعب جَميعَ الاشجارِ المثمرةِ، وقد ترى كم ما بينها من التفاوتِ في الجهازاتِ المنظمةِ والتشكلاتِ الموزونة.
مثلاَ: لو كانت (الماكينة القَدَرية) المندمجة في نواة التينة (كالفابريقة) التي تصنع السكرَ من النباتاتِ لكانت (الميكانيكية القُدرتية) المندرجة في نواةِ الرّمانة كالماكينة التي تنسج الحرير وهكذا فقس. ثم ادفن بدل نواةِ الأثمار كلَّ واحدٍ من بذور الأزهار، بذراً فبذراً، واحداً بعد واحد الى ان لاتبقى بذرةٌ في الدنيا الاّ وقد دخلتْ في قصعتك ذرّةً ميتةً جامدةً ثم خرجتْ حيةً متسنبلةً متزهرّة.
فياصاحبَ القصعةِ إنّ حصلتْ غفلتُك من مذهب المادّيين؛ لزِمك البتة وبالقطع واليقين الأوليّ - لادامة غفلتك - ان تقبل وجود (فابريقات) معنوية بعدد الاشجار (وماكينات) بعدد الأزهار في قصعتك هذه. فلو كان المرجع (الطبيعة) لزِمَ ان يكون للطبيعة في كلِّ جزءٍ من التراب بل في ذرّةٍ مطبعات غير محصورة.. وما النواتاتُ والبذورُ الاّ أمورٌ متماثلة في المادة ومشابهة في التشكيل ومتقاربة في الشكل.. وما هي الاّ كمثل مثقالٍ واحد من قطن مع انه يُنسَج منه قناطير مقنطرة من أثواب الحرير والجوخ والصوف وغيرها. وآية ﴿خَلَقكم من نفس واحدة﴾(النساء:1) وآية ﴿خَلق كلَّ دابةٍ من ماء﴾(النور:45) وغيرهما، تشير الى ان المادة التي تُخلَقون منها لـمّا كانت واحدة لامركبة كمثل أحدكم، بل أصغر، لايمكن ان تكون مصدراً تنشقون منه أو منشأً تُصنَعون منه، للزوم كونِ المصنوع منه أكبر أو مساوياً للمصنوع، على ان ايجاد البذور والنواتات - التي كل منها مع بساطتها كأنّها مِسطر قُدّرت خيوطُه بهندسة القَدَر، ومع صغرها كأنّها أصلٌ متضمن لمجموع دساتير وجود ماهو كأصلها - مع ابداعها في رقائقِ نهاياتِ دقائق حدودِ أغصان الشجر واعضاءِ