أما التوحيد، فيسند الكثير الغير المحدود الى الواحد فيتخفف الكلفة والمصرف بدرجة تتساوى الشموس والذرات والقليل والكثير الغير المتناهي بالنسبة الى قدرته.
وكذا يظهر التوحيد في كل شئ غاياتٍ كثيرة مهمة من جهة نظره الى صانعه، ومن تلك الغايات اظهار الشئ لأسماء خالقه، كأن الشئ كلمة واحدة جامعة لرموز الأسماء، فتدل عليها.
وأما الغاية المشهورة بين أهل الغفلة التي هي جهة استفادتنا منه، من الأكل وغيره، فأقل واحصر، واذلّ واصغر من اَن تكون غاية تامة لخلقة الشئ، بل هي وسيلة احدى غاياته.
وأما الالحاد، فيسند الواحد الى الكثير الغير المحدود، أي يسند كل شئ الى العناصر والطبائع العاجزة الجامدة ، والى القوى والنواميس الصمّ العمي. فتتضاعف الكلفة بدرجة تساوي كلفة الفرد كلفة عام النوع، بل تساوي كلفة شئ واحد كلفة كل الأشياء.
وكذا لايرى الالحاد من غايات الشئ الاّ ما يعود الى الانسان في حظ نفسه الحيوانية أو الى نفس الشئ في حفظ حياته الدنيوية.
فمثل الموحد والملحد، كمثل رجلين رأيا نواة تمر، وأرادا تعريفها:
أما أحدهما، فقال: هي فهرستة واحدة مما لايحد من الفهرستات المسماة بالنواتات ومن بعض غايات هذه النواة، انها تعرفة معنوية لشجرة.. وتعريف لتاريخ حياتها.. وخريطة كينونتها بقابلياتها، لأن تكون ماكينة تنسج نخلة كأصلها.
واما الآخر، فقال: لا، بل هذه الشجرة بجميع أجزائها وأوراقها اجتمعت عند هذه النواة، فأوجدتها، وجمعت جهازات نخلة باسقة فجهّزتها، لكن بلا فائدة، فلا غاية لهذه الشجرة الاّ هذه النواة، ولا غاية لهذه النواة الاّ أكل الابل بعد السحق والدق.