مقدمة (1)
إن الإنسان يحس في قرارة نفسه بالإنتقال إلى عالمٍ آخر في أثناء قراءة سيرة العظماء والاستماع إلى مناقبهم السامية واستذكار مواقفهم البطولية، فتحرق النار السامية المنبثقة من تلك الأحاسيس النزيهة غفلةَ قلبه، ويغمره بالفيض الإلهي. وفي هذا المضمار يسجّل لنا التاريخ رجالاً يصغر أمام عظمتهم العظماء.
وحينذاك تفلت الروح من قبضة طينة الأرض بذكر الموهوبين من أبطال التاريخ وتحلق في أجواء العوالم الواسعة، وكأن شذى فيوضات ألف طيب تحيط بـها وهي تسلك طريقها بين رياحين رياض الجنان وعبير ازاهيرها .
وفي هذه المقدمة أحس بهذه الحقيقة السامية بكل عظمتها وأدركها بكامل معانيها. وذلك ان هذا الكتاب الذي نقدمه لقرائنا الأحبة بكل صدق وإخلاص، يتناول حياة (فاتح القلوب) الأستاذ العظيم سعيد النورسي عبر عمره الذي يقرب من قرن من الزمان، امتلأت كل صفحة من صفحاته بآلاف الخوارق والبطولات، كما يتناول مضمون رسائله البالغة مائة وثلاثين رسالة، وفضل طلبته الأماجد المتحلين بالإيمان والعلم و الإخلاص والصدق، الذين غدوا أسوة حسنة ليس لبلد واحد فحسب، بل للإنسانية جمعاء.
نعم، تُعد المقدمة خلاصة للكتاب وزبدة لفحواه، بينما هذا الكتاب العظيم العميق في شعابه المستوعب كل موضوع من موضوعاته كتاباً مستقلاً بذاته يتأبى تعريف محتوياته في مقدمة تشتمل على
(1) هذه المقدمة كتبها العالم الفاضل والشاعرالتركي الكبير "علي علوي قوروجو" ساكن المدينة المنورة، وبعثها الى الأستاذ النورسي، فأشار بوضعها في بداية كتاب "تاريخ الحياة "باللغة التركية. وقد تفضل مشكوراً الاخ "جميل شانلي" بترجمتها الى العربية.