السيرة الذاتية | مقدمة | 33
(31-42)

و العدلية، والتدقيقات الجادة، وأقيمت المحاكم الطويلة المتعاقبة، وظهر أخيراً ان هذا التجلي الإلهي ليس إلاّ (مؤسسة إيمانية علمية) ضاربة اطنابها في عالم القلوب، وبهذا تحقق عدل القدر الإلهي على هذه الصورة: براءة بديع الزمان سعيد النورسي ورسائل النور كافة وأُعلن ذلك رسمياً، وسطعت حقيقة القوانين الإلهية الجارية منذ الأزل إلى الأبد ألا وهو غلبة الروح على المادة، وانتصار الحق على الباطل وانهزام الظلمة امام النور، وانحسار الكفر أمام الإيمان.
يقال ان أصح معيار وأدق ميزان في صدق أي مصلح يظهر بأية بقعة وجديته وحقيقته، يكمن طيّ التغييرات الحاصلة بعد إحرازه النصر في حياته الفردية والإجتماعية والروحية عما كان عليه في أيامه الأولى من دعوته.
فلننظر مثلا للذي ظهر بدعوته متواضعاً، وسيماً، نبيلاً، مضحياً، يُحْتَمى به، وقدوةً ألمعيةً ونموذجاً جاداً ممتازاً متحلياً بالأخلاق الحميدة والفضائل السامية وطاهراً طهر الثلجِ بكل معنى الكلمة، فلننظر إليه بعد وصوله الغاية ونيله النصر وتبوّئه المكانة المرموقة في الأحاسيس والقلوب، أيثبت على نصاعته وطهره، أم يصبح بنشوة الإنتصار وسكر الرفعة والعلى متكبراً يخرق الجبال ؟.
أجل ان هذه المرآة هي اصقل المرايا وأجلاها لإظهار الوجهة الأصيلة لماهية وحقيقة أصحاب الدعوات وكنه شخصيتهم. والتاريخ يشهد بأحداثه الغابرة ان الأنبياء وفي مقدمتهم إمام المرسلين سيدنا محمدy ومن ثم خلفائه وأصحابه الكرام ومن سار على هديهم واستنار بنورهم من العظماء، هم الأسوة الحسنة والنموذج الأمثل في نيل المنى وكسب القدح المعلّى في معترك هذا الإمتحان المذهل.

يبين الرسول الكريمy ببلاغته المعجزة في حديثه الشريف (العلماء ورثة الأنبياء) ثقل مهام العلماء ومدى صعوبـة وظيفتهم. ومادام هذا شأنـهم، إذن يستوجب عليهم في تبليغ الحق الأبلج والحقيقة السامية الإمتثال بالأنبياء وسلوك طريقهم، مهما تخللها من الموانع، بل مكابدة التوقيف والاعتقال والنفي والسـجن الإنفرادي، والتسميم، وحبال

لايوجد صوت