السيرة الذاتية | مقدمة | 34
(31-42)

المشانق، وما لا يتبادر إلى الذهن من أساليب الظلم والتعذيب.
لقد قطع الأستاذ النورسي طوال حياته هذا الطريق الشاق لأكثر من نصف قرن بجهاده المقدس، واجتاز آلاف الموانع كالصاعقة، واثبت فعلاً انه بعلمه من (ورثة الأنبياء).
وقد شدّني من الأعماق من بين سعة علمه وسمو أدبه وحميد خلقه وفضائله الكثيرة، سعة إيمانه الثابت ثبات الرواسي الشم والعميق عمق البحار الغور.
فيا إلهي ما أعظمه من إيمان! وما أقواه من إرادة صلبة كالفولاذ، وما أعلاه من صبر لا يعرف النفاذ إليه سبيلاً، وما أرفعه من رأس يتأبّى الخضوع للعبيد، وما أعلاه من صوت لا يـخفت ومن أنفاس لا تُخنق بالرغم من المضايقات والتهديدات التي تُرعد حتى الخيال وتُصبغ مشاهد الذكريات بالوجل والخوف..
انظروا ماذا يعد الله المجاهدين في هذه الآية الكريمة:﴿والّذين جاهَدوا فينا لنهدينّهم سُبلنا وإنّ الله لمع المحسنين﴾(العنكبوت:69).
أجل إن المجاهدين الذين باعوا أنفسهم ودنياهم لله في طريق الإيمان والقرآن، فإن الله يبشرهم بالهداية إلى سُبله، ولاشك أن الله لا يخلف وعده إذا تحقق ما يستوجب هذا الوعد الإلهي من الشروط. فتغدو هذه الآية الكريمة مرشداً نورانياً في تحليل شخصية الأستاذ النورسي وسيرته، بحيث نتمكن رؤية أدق القسمات وأصغر النقاط كأنها حزمة لامعة مضيئة. وحين يكون الإنسان محط نعمة الله في الحفظ والحماية، فلا يكون للخوف والترهيب والحزن والملل والنكوص وأمثالها من الأمور أهمية تذكر. فأية غيوم قاتمة السواد تتمكن من إلقاء ظلها في قلب منوّر بنور الله، وأي أمل فانِ ومطلب زائل وإلتفاتة غادية وتوجّه عاجز وغاية تافهة ومغانم سفلية نفسانية تستطيع تسكين وطمئنـة وتسلية روح عبدٍ تحظى بالصلة الربانية وتتشرف بالحضور السبحاني في كل آن ولحظة..
ان بديع الزمان شخصية تـمتاز بعناية ربانية خارقة، لذا غدت السجون، كرياض يشهد من خلالها الآفاق النورانية للعوالم الأبدية،

لايوجد صوت