السيرة الذاتية | الفصل الأول | 45
(43-71)

العطوفة في مجالسة أولئك الأعزاء المتقين العلماء.
وعندما كنت أتجول اليوم مع أبنائي المعنويين الأربعة الذين يعاونونني في شؤوني، اُخطر على قلبي بيقين جزءٌ من بذرة الجنة التي ينطوي عليها الإيمان، مثلما أظهرتها رسائل النور.
وحيث إنني قضيت حياتي عزباً فلم أنجب الأولاد. لذا بتّ محروماً من مذاقات محبتهم البريئة ومن إبتهاجهم وانشراحهم.
ومع كل هذا ما كنت أشعر بهذا النقص قط، حيث أنعم سبحانه وتعالى عليّ في هذا اليوم معنىً في منتهى الذوق واللذة فضمد جراحاتي الأربعة المذكورة من جهات ثلاث:
الأولى: إنه عوضاً عن اللذة الآتية من العطف الخاص لوالدتي، أحسن الرحيم سبحانه وتعالى عليّ، اُلوفاً من الوالدات اللائي يستفدن من رسائل النور إستفادة تفوق المعتاد ويتذوقن منها اذواقاً روحية خالصة، بمثل ما جاء في الحديث الشريف (عليكم بدين العجائز)(1) المذكور في رسائل النور.
وعوضاً عن السرور والبهجة والعطف الأخوي الناشئ من مجالسة أخواتي الثلاث - رحمهن الله - أحسن المولى الكريم عليّ الألوف من السيدات والشابات، وجعلهن سبحانه وتعالى في موضع أخوات لي، فاستفيد من دعواتهن وتعلقهن بـرسائل النور ألوفاً من الفوائد والثمرات المعنوية والمسرات الروحية، وهناك امارات عديدة على صدق هذا القسم الثاني يعرفها اخوتي.
وعوضاً عن حرماني من العون المادي والمعنوي الذي كان يمدانني به في الدنيا أخوايّ المرحومان ومن عطفهما ورأفتهما، فقد أحسن سبحانه وتعالى برحـمته عليّ مئات الألوف من اخوة حقيقيين مضحين في خدمة رسائل النور يحملون عطفاً خالصاً ويـمدّون إليّ يد العون بل يفدون رأسمال حياتهم الأخروية فضلاً عن حياتهم الدنيوية.
وعوضاً عن حرماني من أذواق العطف والحنان النابعة من الأولاد - حيث لا أولاد لي فى الدنيا - أنعم سبحانه وتعالى عليّ مئات

(1) الديلمي من حديث ابن عمر بلفظ: "إذا كان آخر الزمان واختلفت الأهواء فعليكم بدين البادية والنساء" وسنده واه ( الدرر المنتثرة للسيوطي).

لايوجد صوت