بروحي لأجل خدمته الإيمان. فلو أُميط اللثام عن مقامه الحقيقي فلا أتراجع ولا أتخلى عنه ولا أقلل من محبتي له، بل أوثق الارتباط به اكثر، وأُوليه محبة أعظم و أبالغ في توقيره.
فأنا إذن يا أخي الكريم أُحب ضياء الدين كما هو وعلى حقيقته. أما أنت فتحب ضياء الدين الذي في خيالك.(2)
ولما كان أخي المرحوم عالماً منصفا حقاً، فقد رضي بوجهة نظري وقبلها وقدرها.(3)
الرجولة المبكرة:
إن مناظرة (سعيد) في ذلك الزمن البعيد علماء أجلاء وهو بعدُ في فترة الصبا، وإجابته عن أسئلتهم الغامضة -من دون ان يسأل أحداً- إجابة صائبة رغم كونـها في أعقد المسائل، هذه الحالة التي ظهرت، اعترف اعترافا قاطعا، واعتقد جازماً أنها ليست ناشئة من حدة ذكائي، ولا من خارق استعدادي قط. فأنا الذي كنت صبياً صغيـراً، مبتلىً بأمور كثيرة ، مبتدءاً بعد في العلوم، سارح الفكر، ومثيراً للمناقشات، فما كان في طوقي قطعا الإجابة على أسئلة علماء أفذاذ. بل كنت اُغلب في مناقشات صغار العلماء وصغار طلاب العلم، لذا فأنا على اقتناع تام بأن إجاباتي الصائبة تلك، ليست ناشئة من استعدادي ولا من ذكائي.
فلقد كنت طوال السنوات السبعيـن الماضية في حيرة من هذا الأمر، ولكن الآن بفضل الله وإحسانه فهمت حكمة منها وهي:
ستُمنح علوم المدارس الدينية التي هي بمثابة بذرة تلك العلوم شجرةٌ طيبةٌ وسيكون لخادم تلك الشجرة حسّاد ومعارضون كثيرون.
وهكذا فإن قيام أصحاب المشارب والمسالك المختلفة بين المسلمين في هذا الزمان بانتقاد عمل خدام تلك الشجرة، شجرة النور، ولاسيما من علماء الدين سواء بسبب المنافسة او بسبب اختلاف المشارب. فضلا عما تثير رسائل النور كثيراً من عرق علماء الدين. كما كان دأب أهل السنة والمعتزلة سابقًا في دحض بعضهم بعضًا ونشر مؤلفات في تفنيد آراء الآخرين والظهور عليهم.. أقول بينما كان الأمر لابد أن يؤول إلى هذا إلاّ أن الله سبحانه أراد أن يجري الأمر على خلاف تلك العادة المتبعة منذ القدم. فألف شكر وشكر لله سبحانه. وأنا على اعتقاد جازم ان سبب
(2) لأنك تطلب لمحبتك ثمناً غالياً جداً، إذ تفكر ان يقابل محبتك ما يفوق ثمنك مائة ضعف، والحال ان اعظم محبة لمقامه الحقيقي تظل زهيدة جداً. (المؤلف).
(3) الملاحق - قسطموني/133