السيرة الذاتية | الفصل الثالث | 87
(86-123)

، ولا تخنقونا بسقي الاستعباد السابق الفاسد في إناء آخر(2). ذلك لان الحرية إنما تزدهر بمراعاة الأحكام الشرعية وآدابها والتخلق بالأخلاق الفاضلة.
والبرهان الباهر على هذا الادعاء هو ما كان يرفل به عهد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين من الحرية والعدالة والمساواة على الرغم من الوحشية السائدة والتحكم المقيت.(3)
ففي بداية إعلان الحرية، أرسلتُ ما يقارب من خمسين أو ستين برقية إلى العشائر القاطنين في شرقي البلاد، وذلك بوساطة ديوان رئاسة الوزارة. كان مضمون تلك البرقيات:
ان المسألة التي سمعتموها وهي المشروطية والقانون الأساسي ما هي الاّ العدالة الحقة والشورى الشـرعية. تلقُوها بقبول حسن. اسعوا للحفاظ عليها؛ لان سعادتنا الدنيوية في المشروطية. فلقد قاسينا الأمرين من الإستبداد اكثر من الآخرين.
وقد أتت من كل مكان إجابات إيجابية لهذه البرقيات. بمعنى أنني قمت بتنبيه الولايات الشرقية ولم اتركهم غافلين، يستغفلهم إستبداد جديد..(4)
وقمت بإلقاء خطب عدة على العلماء عامة وعلى كثير من طلاب الشريعة، وذلك في كل من جامع أياصوفيا و بايزيد والفاتح والسليمانية، وبينتُ العلاقة الحقيقية بين حقائق الشريعة والمشروطية. وأوضحت أن الإستبداد المتعسف لا صلة له بالشريعة الغراء، وأن الشريعة قد أتت لهداية العالم أجمع كي تـزيل التحكم الظالم والإستبداد ..
وقد قلت: ان المسلك الحقيقي للشريعة إنما هو حقيقة المشروطية المشروعة.
بمعنى إنني رضيت بالمشروطية بالدلائل الشرعية، وليس كما رضي بها بعض دعاة المدنية الغربية، إذ قبلوها تقليداً وفهموها خلافاً للشريعة. فلم أتنازل عن الشريعة ولم أُعطها أتاوة لشئ.(5)
إذ لما ارتقت المشروطية الشرعية عرش الأفكار، هزّت الحبل المتين للملّية، فاهتز بدوره الإسلام -وهو العروة الوثقى- وعرف كل

--------------------------

(2) نعم ، لقد سقونا عبودية مسمومة جداِ بإستبداد أرهب وأشد (المؤلف)
(3) صيقل الإسلام - المحكمة العسكرية/ 467
(4) صيقل الإسلام - المحكمة العسكرية / 441
(5) صيقل الإسلام - المحكمة العسكرية / 442
(1) صيقل الإسلام - المناظرات / 418

لايوجد صوت