إن أوروبا تظن الشريعة هي التي تمدّ الإستبداد بالقوة وتعينه. حاش وكلا.. إن الجهل والتعصب المتفشيين فينا قد ساعدا أوروبا لتحمل ظناً خاطئاً من ان الشريعة تعين الإستبداد. لذا تألمت كثيراً من أعماق قلبي على ظنهم السئ هذا بالشريعة، فكما أنني أكذّب ظنهم فقد رحّبت بالمشروطية باسم الشريعة قبل أي شخص. ولكني خشيت من أن يقوم إستبداد آخر لتصديق هذا الظن، لذا صرخت من أعماقي، وبكل ما أوتيت من قوة في خطاب أمام المبعوثين (النواب).. في جامع اياصوفيا وقلت: افهموا المشروطية في ضوء المشروعية وتلقوها على أساسها، ولقّنوها الآخرين على هذه الصورة. كي لا تلوثها اليد القذرة لاستبداد جديد متستر وملحد باتخاذ ذلك الشئ الطيب المبارك ترساً لأغراضه الشخصية. قيّدوا الحرية بآداب الشرع لأن عوام الناس والجاهلين يصبحون سفهاء وعصاة وقطاع طرق، فلا يطيعون بعد أن ظلوا أحراراً سائبين بلا قيد و شرط. ولتكن قبلتكم في صلاة العدالة على المذاهب الأربعة كي تصحّ صلاتكم. لأنني قد أعلنت دعوىً: انه يمكن استخراج حقائق المشروطية صراحة وضمناً وإذناً من المذاهب الأربعة.(2) ثم إن سبب افتتاني بمحبة معنى المشروطية هو ان المدخل الأول لتقدم آسيا والعالم الإسلامي في المستقبل هو المشروطية المشروعة والحرية التي هي ضمن نطاق الشريعة. وان مفتاح حظ الإسلام وسعده ورقيه موجود في الشورى التي في المشروطية. حيث قد انسحق -لحد الآن- ثلاثمائة مليوناً من المسلمين تحت أقدام الإستبداد المعنوي للأجانب. وحيث ان الحاكمية الإسلامية مهيمنة الآن في العالم ولا سيما في آسيا، فان كل مسلم يكون مالكاً لجزء حقيقي من الحاكمية. وان الحرية هي العلاج الوحيد لإنقاذ ثلاثمائة مليوناً من المسلمين من الأسر. فحتى لو تضرر هنا -بفرض محال- عشرون مليوناً من الناس في أثناء إرساء الحرية، فليكن ذلك فداءً، إذ نأخذ ثلاثمائة بدفع عشرين.
وا أسفى! إن العناصر والقوميات الموجودة عندنا مختلطة اختلاط أجزاء الهواء، ولم تمتزج امتزاج أجزاء الماء. وستمتزج تلك العناصر والقوميات بالإسلام الذي يفعل فعل التيار الكهربائي فيهم. وسيأتي بإذن الله مزاج العدالة المنصفة المتولدة من حرارة نور المعارف
----------------------------
(2) صيقل الإسلام - المحكمة العسكرية/ 443
(1) صيقل الإسلام - المحكمة العسكرية/ 462