وهكذا مضت تلك الليلة...
سكت في الحج في أثناء سرده الرؤيا، لان إهمال الحج وإهمال ما ينطوي عليه من حكم لا يُنـزل المصيبة وحدها بل يُنـزل غضب الله وقهر الجبار. وجزاؤه ليس كفارة الذنوب بل كثارتها.
نعم، ان إهمال السياسة الإسلامية الرفيعة في الحج والمتضمنة توحيد الأفكار بالتعارف وتشريك المساعي بالتعاون هو الذي ادّى إلى تـهيئة الوسط الملائم للأعداء ليستخدموا ملايين المسلمين في العداء للإسلام.
فها هو الهندي جالس يبكي على رأس أبيه الذي قتله ، ظناً منه انه عدوّه.
وها هما التتار والقفقاس ، واقفان عند قدمي جثة ساعدا على قتلها.. وبعد فوات الأوان يدركان انها والداهما.
وها هم العرب قتلوا شقيقهم البطل خطأً، ومن حيرتـهم لا يعرفون كيف يبكون وينتحبون.
وهاهي أفريقيا قتلت أخاها دون علم به، والآن تصرخ وتولول.
وها هو العالم الإسلامي ساعد على قتل ولده المقدام غافلاً دون علم به. فهو يلطم وينفّش شعره كالوالدة الحنونة.
فالملايين من المسلمين دُفعوا إلى سياحات طويلة في العالم، تحت لواء العدو الذي هو الشر المحض، بدلاً من شدّ الرحال إلى الحج وهو الخير المحض.
فاعتبروا! كما ان الضرورات تبيح المحظورات، كذلك تسهّل المشكلات.
ان الدجاجة التي يضرب بها المثل في الخوف والجبن تهاجم الجاموس الضخم حفاظاً على فراخها.. فها هي الجسارة الفائقة.
وخوف العنـز من الذئب يضرب به المثل، الا ان خوفه ينقلب إلى دفاع ومقاومة في حالة الاضطرار حتى يقارع الذئب.. فها هي الشجاعة الخارقة.
نعم، ان الميل الفطري لا يُقاوم. فغرفة من ماء لو وضعت في كرة من حديد لفتّت الماءُ الحديدَ كلما تعرض للبرودة في الشتاء، وذلك لميله إلى الانبساط والتمدد.
فجسارة الدجاجة الرؤومة على فراخها.. وشجاعة الاضطرار لدى العنـز العزيزة النفس يمثلان هيجاناً فطرياً.. فمثل هذا الهيجان الفطري لو تعرض له ظلم الكافر البارد، لفتّـت كل شئ أمامه كالماء في كرة