السيرة الذاتية | الفصل الثاني | 199
(184-199)

الوحشة والدهشة واليأس والظلمة، إذا بأنوار الإيمان المتألقة في وجه القرآن المعجز البيان، تمدني وتضئ تلك الجهات الست وتنورها بأنوار باهرة ساطعة ما لو تضاعف ما انتابني من صنوف الوحشة وأنواع الظلمات مائة مرة، لكانت تلك الأنوار كافية ووافية لإحاطتها.
فبدّلت -تلك الأنوار- السلسلة الطويلة من الوحشة إلى سلوان ورجاء، وحولّت كل المخاوف إلى انس القلب، أمل الروح الواحدة تلو الأخرى.
نعم، ان الإيمان قد مزق تلك الصورة الرهيبة للماضي وهي كالمقبرة الكبرى، وحوّلها إلى مجلس منوّر أنوس وإلى ملتقى الأحباب، وأظهر ذلك بعين اليقين وحق اليقين...
ثم ان الإيمان قد أظهر بعلم اليقين ان المستقبل الذي يتراءى لنا بنظر الغفلة، كقبر واسع كبير ما هو الاّ مجلس ضيافة رحمانية أعدّت في قصور السعادة الخالدة.
ثم ان الإيمان قد حطّم صورة التابوت والنعش للزمن الحاضر التي تبدو هكذا بنظر الغفلة، وأشهدني ان اليوم الحاضر إنما هو متجر أخروي، ودار ضيافة رائعة للرحمن.
ثم ان الإيمان قد بصّرني بعلم اليقين ان ما يبدو بنظر الغفلة من الثمرة الوحيدة التي هي فوق شجرة العمر على شكل نعش وجنازة. انها ليست كذلك، وانما هي انطلاق لروحي -التي هي أهل للحياة الأبدية ومرشحة للسعادة الأبدية- من وكرها القديم إلى حيث آفاق النجوم للسياحة والارتياد.
ثم ان الإيمان قد بيّن بأسراره؛ ان عظامي ورميمها وتراب بداية خلقتي، ليسا عظاماً حقيرة فانية تداس تحت الأقدام، وانما ذلك التراب باب للرحمة، وستار لسرادق الجنة.
ثم ان الإيمان أراني بفضل أسرار القرآن الكريم ان أحوال الدنيا وأوضاعها المنهارة في ظلمات العدم بنظر الغفلة، لا تتدحرج هكذا في غياهب العدم -كما ظنّ في بادئ الأمر- بل انها نوع من رسائل ربانية ومكاتيب صمدانية، وصحائف نقوش للأسماء السبحانية قد أتمّت مهامها، وأفادت معانيها، وأخلفت عنها نتائجها في الوجود، فأعلمني الإيمان بذلك ماهية الدنيا علم اليقين. 
ناظراً ومنتظراً ليس هو بفوهة بئر، وانما هو باب لعالم النور. وان ذلك الطريق المؤدي إلى الأبد ليس طريقاً ممتداً ومنتهياً بالظلمات و العدم، بل انه سبيل سوي إلى عالم النور، وعالم الوجود وعالم السعادة الخالدة.. وهكذا أصبحت هذه الأحوال دواء لدائي، ومرهماً له، حيث قد بدت واضحة جلية فأقنعتني قناعة تامة.
ثم ان الإيمان يمنح ذلك الجزء الضئيل من -الجزء الاختياري- الذي يملك كسباً جزئياً للغاية، وثيقة يستند بها إلى قدرة مطلقة، وينتسب بها إلى رحمة واسعة، ضد تلك الكثرة الكاثرة من الأعداء والظلمات المحيطة، بل ان الإيمان نفسه يكون وثيقة بيد الجزء الاختياري. ثم ان هذا الجزء الاختياري الذي هو السلاح الإنساني، وان كان في حد ذاته ناقصاً عاجزاً قاصراً، الاّ أنه إذا استعمل باسم الحق سبحانه، وبذل في سبيله، ولأجله، يمكن ان ينال به -بمقتضى الإيمان- جنة أبدية بسعة خمسمائة سنة. مَثَلُ المؤمن في ذلك مثل الجندي إذا استعمل قوته الجزئية باسم الدولة فانه يسهل له ان يؤدي اعمالاً تفوق قوته الشخصية بألوف المرات.
وكما ان الإيمان يمنح الجزء الاختياري وثيقة، فانه يسلب زمامه من قبضة الجسم الذي لا يستطيع النفوذ في الماضي ولا في المستقبل، ويسلمه إلى القلب والروح، ولعدم انحصار دائرة حياة الروح والقلب في الزمن الحاضر كما هو في الجسد، ولدخول سنوات عدة من الماضي وسنوات مثلها من المستقبل في دائرة تلك الحياة، فان ذلك الجزء الاختياري ينطلق من الجزئية مكتسباً الكلية. فكما انه يدخل بقوة الإيمان في اعمق أودية الماضي مبدداً ظلمات الأحزان، كذلك يصعد محلقاً بنور الإيمان إلى ابعد شواهق المستقبل مزيلاً أهواله ومخاوفه.(1)
ثم ان الإيمان قد أوضح لي بنور القرآن ان ذلك القبر الذي أحدق بي ناظراً ومنتظراً ليس هو بفوهة بئر، وانما هو باب لعالم النور. وان ذلك الطريق المؤدي إلى الأبد ليس طريقاً ممتداً ومنتهياً بالظلمات و العدم، بل انه سبيل سوي إلى عالم النور، وعالم الوجود وعالم السعادة الخالدة.. وهكذا أصبحت هذه الأحوال دواء لدائي، ومرهماً له، حيث قد بدت واضحة جلية فأقنعتني قناعة تامة.
ثم ان الإيمان يمنح ذلك الجزء الضئيل من -الجزء الاختياري- الذي يملك كسباً جزئياً للغاية، وثيقة يستند بها إلى قدرة مطلقة، وينتسب بها إلى رحمة واسعة، ضد تلك الكثرة الكاثرة من الأعداء والظلمات المحيطة، بل ان الإيمان نفسه يكون وثيقة بيد الجزء الاختياري. ثم ان هذا الجزء الاختياري الذي هو السلاح الإنساني، وان كان في حد ذاته ناقصاً عاجزاً قاصراً، الاّ أنه إذا استعمل باسم الحق سبحانه، وبذل في سبيله، ولأجله، يمكن ان ينال به -بمقتضى الإيمان- جنة أبدية بسعة خمسمائة سنة. مَثَلُ المؤمن في ذلك مثل الجندي إذا استعمل قوته الجزئية باسم الدولة فانه يسهل له ان يؤدي اعمالاً تفوق قوته الشخصية بألوف المرات.
وكما ان الإيمان يمنح الجزء الاختياري وثيقة، فانه يسلب زمامه من قبضة الجسم الذي لا يستطيع النفوذ في الماضي ولا في المستقبل، ويسلمه إلى القلب والروح، ولعدم انحصار دائرة حياة الروح والقلب في الزمن الحاضر كما هو في الجسد، ولدخول سنوات عدة من الماضي وسنوات مثلها من المستقبل في دائرة تلك الحياة، فان ذلك الجزء الاختياري ينطلق من الجزئية مكتسباً الكلية. فكما انه يدخل بقوة الإيمان في اعمق أودية الماضي مبدداً ظلمات الأحزان، كذلك يصعد محلقاً بنور الإيمان إلى ابعد شواهق المستقبل مزيلاً أهواله ومخاوفه.(1)
الخلاصة:
((وهكذا لما أراد مصطفى كمال استمالته ليستفيد من نفوذه في شرقي البلاد، وعرض عليه ان يكون نائباً من البرلمان، مع الإحتفاظ بعضوية دار الحكمة الإسلامية، ويتولى منصب الواعظ العام في شرقي البلاد بدلاً من الشيخ السنوسي مع تخصيص مسكن فاخر -فيلا- له وامثالها من العروضات... فإن بديع الزمان شاهد أوصاف ما ورد في حديث شريف حول أشخاص آخر الزمان (الدجال والسفياني) -والذي أوّله قبل عهد الحرية في استانبول- وتيقن أنه لا يمكن مجابهة أولئك الأشخاص إلاّ بأنوار إعجاز القرآن وليس بمسالك السياسة... لذا ردّ جميع عروضات مصطفى كمال وغادر آنقرة بعد أن بيّن وجهة نظره في الحكومة الجديدة للنواب الذين حضروا لتوديعه وألحّوا عليه بالبقاء في آنقرة متعاوناً مع الحكومة الجديدة)).(2)

لايوجد صوت