السيرة الذاتية | الفصل الثاني | 196
(184-199)

لقد استدعاني مصطفى كمال إلى آنقرة لاجل تكريمي وجعلي واعظاً عاماً لجميع الولايات الشرقية. فذهبت إلى آنقرة، الاّ ان المواد الثلاث الآتية جعلتني أتخلّى عن محبته ومودته. فعانيت العذاب طوال عشرين سنة في حياة الانزواء ولم أتتدخل في أمورهم الدنيوية.
المادة الأولى:
لقد أظهر بأفعاله انه هو الذي اخبر عنه الحديث الشريف الوارد حول ظهور شخص في آخر الزمان يسعى للإضرار بالأعراف الإسلامية. وفسرت هذا الحديث الشريف قبل ست وثلاثين سنة، ثم ظهر معناه مطابقاً في هذا الشخص. وله إيضاح في المادة الثالثة في دفاعاتي أمام المحكمة.
المادة الثانية:
ان وجود شئٍ ما وتعميره وحياته، قائم بوجود جميع أركان ذلك الشئ او شروطه، بينما عدمه وتخريبه وموته يكون بفساد شرط واحد. هذه قاعدة حقيقية حتى أصبحت مضرب الأمثال في ألسنة الناس: (التخريب اسهل من التعمير).
فبناء على هذه القاعدة الرصينة فان النقائص الفاضحة والدمار الرهيب الظاهر نابعة من أخطاء ذلك القائد. أما الانتصارات الباهرة فهي صادرة من بطولة الجيش. فبينما ينبغي ان تُسند السيئات إليه وتُمنح الحسنات إلى الجيش، الاّ ان الأمر اصبح بخلاف هذا كلياً، إذ تُسند حسنات الجماعة إلى من في رأس الأمر ويسند شر ذلك الشخص إلى الجماعة. وهذا ظلم شنيع.
المادة الثالثة:
ان إسناد حسنات الجماعة وانتصارات الجيش إلى القائد الأمر، وإعطاء ذنوب ذلك الأمر إلى الجماعة بأكملها يعني التهوين من شأن ألوف الحسنات وجعلها حسنة واحدة، وجعل الخطأ الواحد ألوف الأخطاء. إذ كما ان فوجاً من الجيش لو قتلوا عدواً شرساً فان كل فرد من أفراد ذلك الفوج يُمنحون مرتبة المجاهد، ولكن لو أعطيت تلك الرتبة إلى آمرهم فقط فان ألف رتبة من رتب المجاهد تنزل إلى رتبة واحدة فقط. فلو حصلت جريمة قتل نتيجة خطأ ارتكبه قائد ذلك الفوج ثم أُسندت هذه الجريمة إلى الفوج كله، فان تلك الجريمة الواحدة تتضاعف وتكون في حكم ألوف الجرائم، فيصبح ألف جندي مثلاً مسؤولين عنها، ومستحقين العقاب عليها.
كذلك الأمر هنا، فان الأخطاء الجسيمة واضحة أمام الأعين، فان لم

لايوجد صوت