السيرة الذاتية | الفصل الثاني | 197
(184-199)

تسند إلى ذلك الرجل الميت الذي ارتكبها، وأحيلت إلى جيش عظيم كريم اظهر جهاده في سبيل إحقاق الحق في العالم اجمع وصدّق بسيوفه ودمائه شهادة عزته وكرامته وإعلائه لراية القرآن منذ خمسمائة سنة بل منذ ألف سنة، فان تلك الذنوب تزداد إلى الألوف بعدد أركان ذلك الجيش. فيلطخ الماضي المجيد لذلك الجيش ويشوهه تشويهاً رهيباً مسوّداً تاريخه بلون قاتم مما يجعل جيش هذا العصر مسؤولاً ويذوب خجلاً أمام الجيش البطل للعصور السابقة. وكذلك لو أسندت الانتصارات الباهرة والمفاخر المستحصلة الحاضرة إلى رجل واحد فإنها تبقى جزئية، وتصبح الحسنات والمجاهدات التي هي بعدد الأركان والأفراد في حكم شخص واحد. وينطفئ ذلك الضياء الساطع ويزول ولا يصبح كفارة للذنوب.
فلأجل هذه الأسباب تركت مودّة ذلك الرجل، وكسبت مودة ذلك الجيش الذي خدمت في صفوفه خدمة فعلية مؤثرة، وفي زمان دقيق حرج، وسعيت برسائل النور للمحافظة على شرف ذلك الجيش الذي هو أسمى ألف مرة من أي شخص كان.(1)
حالته الروحية في آنقرة:
ذات يوم من الأيام الأخيرة للخريف، صعدت إلى قمّة قلعة آنقرة، التي أصابها الكبر والبلى اكثر مني، فتمثّلت تلك القلعة أمامي كأنها حوادث تأريخية متحجرة، واعتراني حزن شديد واسى عميق من شيب السنة في موسم الخريف، ومن شيبي أنا، ومن هرم القلعة، ومن هرم البشرية ومن شيخوخة الدولة العثمانية العلية، ومن وفاة سلطنة الخلافة،(1) ومن شيخوخة الدنيا. فاضطرتني تلك الحالة إلى النظر من ذروة تلك القلعة المرتفعة إلى أودية الماضي وشواهق المستقبل، أنقب عن نور، وابحث عن رجاء وعزاء ينير ما كنت أحسّ به من أكثف الظلمات التي غشيت روحي هناك وهي غارقة في ليل هذا الهرم المتداخل المحيط.(2)
فحينما نظرت إلى اليمين الذي هو الماضي باحثاً عن نور ورجاء، بدت لي تلك الجهة من بعيد على هيئة مقبرة كبرى لأبي وأجدادي

----------------------------

1) الملاحق -اميرداغ 2/ 319
(1) حيث أٌلغى المجلس النيابي الأول السلطنة في 1/ 11/ 1922 أي قبل مجئ الأستاذ الى انقرة بسنة أما إلغاء الخلافة فقد أقره المجلس النيابي الثاني في 3/3/1924.
(2) وردت هذه الحالة الروحية على صورة مناجاة الى القلب باللغة الفارسية، فكتبتها كما وردت، ثم طبعت ضمن رسالة (حَباب) في أنقرة. - المؤلف.

لايوجد صوت