السيرة الذاتية | الفصل الثالث | 214
(200-215)

زكاتهم قد غلبهم الدَّين بعد سنتين، لعدم التزامهم بالاقتصاد، الاّ أن تلك النقود الضئيلة قد كفتني -ولله الحمد- ببركة الاقتصاد إلى ما بعد سبع سنوات، فلم يُرق مني ماء الوجه، ولم يدفعني لعرض حاجتي إلى الناس، ولم يفسد عليّ ما اتخذته دستوراً لحياتي وهو (الاستغناء عن الناس).(1)
[ويظل في هذه المدينة سبعة اشهر، ويؤلف في هذه الفترة رسالة (المدخل إلى النور) يذكر في مقدمتها:]
ان هذه الرسالة مناظرة بين سعيد القديم وسعيد الجديد، تضم بين دفتيها ثلاثة عشر درساً من الحقائق الإيمانية التي هي بمرتبة الشهود والمسكتة للنفس الأمارة، فهي اقرب إلى علم اليقين ، نبعت مباشرة من القرآن المعجز البيان. هذا وان المخاطب في جميع تلك الدروس سعيد الجديد...
إلى اسپارطة:
حينما استولت عليَّ الرغبة في إنقاذ نفسي واصلاح آخرتي، وفترتُ عن العمل للقرآن -مؤقتاً- جاءتني العقوبة بخلاف ما كنت أقصده وأتوقعه، أي نُفيتُ من (بوردور) إلى منفى آخر.. إلى (اسپارطة).(2)
جئت إلى مدينة مباركة -قبل تسع سنوات- كان الموسم شتاءً فلم أتمكن من رؤية منابع الثروة وجوانب الإنتاج في تلك المدينة، قال لي مُفتيها رحمه الله: ان أهالينا فقراء مساكين. أعاد قوله هذا مراراً. أثّر فيّ هذا القول تأثيراً بالغاً مما أجاش عطفي، فبت استرحم وأتألم لأهالي تلك المدينة فيما يقرب من ست سنوات. وبعد ثماني سنوات عدتُ إليها وهي في أجواء الصيف، وأجلت نظري في بساتينها فتذكرت قول المفتي رحمه الله فقلت متعجباً:
- سبحان الله! ان محاصيل هذه البساتين وغلاتها تفوق حاجة

-------------------

(1) اللمعات/ 215.
(2) اللمعات/ 68.

لايوجد صوت