السيرة الذاتية | الفصل الرابع | 221
(216-252)

ووصل إشعاعه إلى كل قرية وكل ناحية وكل مدينة فيها.))(1)
فأقول ما يأتي تحدثاً بالنعمة ولله الحمد مائة ألف مرة:
إن جميع مضايقاتهم وإستبداداتهم تصبح كالحطب لإشعال نار الهمة والغيرة، لتزيد أنوار القرآن سطوعاً.
فتلك الأنوار القرآنية التي عوملت بالمضايقات انبسطت بحرارة الغيرة والهمة، حتى جعلت جميع الولاية بل أكثر المدن في حكم مدرسة، ولم تنحصر في (بارلا) وحدها.
وحسبوا انهم قد حبسوني في قرية، الاّ أن تلك القرية (بارلا) وانف الزندقة راغم قد أصبحت كرسي الدرس بفضل الله وبخلاف مأمولهم، بل اصبح كثير من الأماكن (كاسپارطة) في عداد المدارس.(2)
في بارلا:
((وصل الأستاذ سعيد النورسي إلى منفاه (بارلا)(3) من أعمال (اسپارطة) في غربي الأناضول في 1/3/1927 (1) حيث قضى الليلة الأولى في مخفر الشرطة، ثم خصص لإقامته بيت صغير يتألف من غرفتين ويطلّ على مروج (بارلا)، وبساتينها الممتدة إلى بحيرة (أغريدير) العذبة، ،أمامها شجرة الدلب العالية.
------------------------

(1) T.Hayat, Barla hayatı
(2) المكتوبات / 468
(3) يقص "شوكت دميرآي" وهو الجندي المكلّف بنقل الأستاذ النورسي الى ناحية "بارلا" ذكرياته فيقول:
"كُنتُ في مدينة "اغريدير" عندما استدعوني الى مركز البلدية صباح أحد الايام.. فذهبت اليه وكان هناك القائمقام وآمر الجندرمة مع اعضاء هيئة البلدية وشخص معمم في العقد الرابع من عمره يلبس جبّة وله هيئة وقورة.
خاطبني آمر الجندرمة قائلاً:
- اسمع يابني، عليك أن تأخذ شيخنا هذا المعروف ببديع الزمان الى بارلا. ان وظيفتك هذه مهمة جداً، وعندما تسلّمه الى المخفر هناك دعهم يوقعوا على الاوراق الرسمية ثم اخبرنا بذلك. قلت له :حسناً ياسيدي.
خرجت مع الشيخ وفي الطريق قلت له:
- يا شيخنا انت بمثابة والدي وان هذه وظيفة كلّفتُ بها فارجو أن لاتستاء منّي.
ثم يستمر في وصف الرحلة بالقارب فيقول:
"كان الجو بارداً، فالفصل شتاء ومياه البحيرة متجمدة هنا وهناك وأحد جذافي القارب يكسر الثلوج بعصاً طويلة في يده ويفتح بذلك طريقاً للقارب.
بدأ الشيخ بديع الزمان بتوزيع بعض الزبيب وبعض الحلوى علينا، كنت اتفحصه بدقة فوجدته هادئاً كل الهدوء إذ كان يتأمل في البحيرة والجبال المحيطة بنا..
ولكون النهار قصيراً فقد ازف وقت صلاة العصر بسرعة . اراد ان يصلي واقفاً فوجّهنا القارب بإتجاه القبلة . سمعت صوتاً يقول:
- الله اكبر!.. لم اكُن قد سمعت في حياتي كلّها تكبيرة بهذه الرهبة والخشوع، شعرت بان الشعرَ في اجسادنا قد وقف. لم تكن حركاته واطواره تشبه اطوار الشيوخ الذين عرفناهم..
كُنا نحاول جهدنا ان نبقي على القارب باتجاه القبلة وعندما انهى الشيخ صلاته، التفتَ الينا قائلاً:
- شكراً لكم يا اخوتي، لقد أتعبتكم!
كان شخصاً متواضعاً ودمث الأخلاق".ذكريات عن سعيدالنورسي/30، ش/259
(1) هذا ما يقرره ويثبته الباحث الاخ نجم الدين شاهين أر، بينما المصادر الأخرى تذكر أنه وصل الى (بارلا) في شناء سنة 1926.

لايوجد صوت