السيرة الذاتية | الفصل السادسا | 316
(305-328)

شك ان ما يكابده المظلومون من النصارى المنتسبين إلى سيدنا عيسى عليه السلام والذين يعيشون الآن في ظلمات تشبه ظلمات الفترة وما يقاسونه من الويلات تكون بحقهم نوعاً من الشهادة. ولاسيما الكهول واهل النوائب والفقراء والضعفاء المساكين الذين يقاسون النكبات والويلات تحت قهر المستبدين والطغاة الظالمين.
وقد بلغتني من الحقيقة: ان تلك النكبات والويلات كفارة بحقهم من الذنوب المتأتية من سفاهات المدنية وكفرانها بالنعم ومن ضلالات الفلسفة وكفرها، لذا فهي أربح لهم مائة مرة.
وبهذا وجدتُ السلوان والعزاء من ذلك الألم المعذب النابع من العطف المتزايد، فشكرتُ الله شكراً لا نهاية له.
أما أولئك الظالمون الذين يسعّرون نار تلك الفتن والنكبات، أولئك السفلة من شياطين الأنس والجبابرة الطغاة الذين ينفذونها اشباعاً لمنافعهم الشخصية، فهم يستحقون ذلك العذاب المهين، فهو بحقهم عدالة ربانية محضة.
ولكن ان كان الذين يقاسون تلك النكبات هم ممن يهرعون إلى نجدة المظلومين ويكافحون في سبيل تحقيق راحة البشرية والحفاظ على الأسس الدينية والمقدسات السماوية والحقوق الإنسانية. فلابد ان النتائج المعنوية والأخروية لتلك التضحيات الجسام كبيرة جداً بحيث تجعل تلك الويلات بحقهم مدار شرف واعتزاز لهم بل وتحببها إليهم.(1)
خدمتنا تسعى لإنقاذ النظام والأمن:
جاءني موظف مسؤول، له علاقة معنا ومع السياسة ومنشغل بمراقبتنا كثيراً فقلت له:
إنني لم أراجعكم منذ ثماني عشرة سنة، ولم اقرأ صحيفة واحدة من الصحف، وها قد مرت ثمانية شهور لم أسأل ولو مرة واحدة ما يحدث في العالم، ولم اعر سمعي إلى الراديو الذي يُسمع هنا منذ ثلاث سنوات. كل ذلك كي لا يلحق ضرر معنوي بخدمتنا السامية.
والسبب في ذلك هو:
ان خدمة الإيمان وحقائق الإيمان هي اجلّ من كل شئ في الكون. فلا تكون أداة لأي شئ كان. فان خدمة القرآن الكريم قد منعتنا كلياً من السياسة. حيث ان:
--------------------------

(1) الملاحق- قسطموني/146

لايوجد صوت