السيرة الذاتية | الفصل السابع | 334
(329-358)

ان الحقيقة المقدسة التي افتدتها ملايين الرؤوس فداءٌ لها رأسنا ايضاً، فلو اشعلتم الدنيا على رؤوسنا ناراً فلن ترضخ تلك الرؤوس التي افتدت الحقيقة القرآنية ولن تسلم القيادة للزندقة ولن تتخلّى عن مهمتها المقدسة بإذن الله.
وهكذا فلا أستبدل بسنة واحدة من شيخوختي التي أنشأت حوادثُها اليأسَ والأعباء الثقيلة والتي أسعفها السلوان النزيه النابع من الإيمان والقرآن، مع ما فيها من معاناة وضيق، عشر سنوات بهيجة سارة من حياة شبابي. وبالأخص إذا كان كل ساعة من ساعات التائب المقيم لفرائضه في السجن بحكم عشر ساعات له من العبادة، وان كُل يوم يمرّ بالمريض وهو مظلوم يجعل صاحبه يفوز بثواب عشرة ايام خالدة، فكم يكون مثل هذه الحياة مبعث شكر وامتنان لله ،لمثلي الذي يترقب دوره وهو على شفير القبر.
نعم، فهذا هو الذي فهمته من ذلك التنبيه المعنوي، فقلت: شكراً لله بلا نهاية.. وفرحت بشيخوختي ورضيت بالسجن. حيث ان العمر لا يتوقف بل يمضي مسرعاً، فان مضى باللذة والفرح فانه يورث الحزن والأسى؛ لان زوال اللذة يورث الألم، وان مضى مشبعاً بالغفلة خاوياً من الشكر فانه يترك بعض آثار الآثام ويفنى هو ويمضي. ولكن إذا مضى العمر بالعناء والسجن، فلكون زوال الألم يورث لذةً معنوية، وأن مثل هذا العمر يعدّ نوعاً من العبادة؛ لذا يظل باقياً من جهة، فيجعل صاحبه يفوز بعمر خالد بثمرات خالدة خيّرة، ومن جهة أخرى يكون كفّارة للذنوب السابقة وتزكية للأخطاء التي سببت السجن. فمن زاوية النظر هذه على المسجونين الذين يؤدون الفرائض أن يشكروا الله تعالى ضمن الصبر.(1)
إلى أخي العزيز الحافظ علي!
لا تهتم لمرضك، نسأله تعالى ان يرزقك الشفاء. آمين. فانك رابح غانم كثيراً، لان كل ساعة من العبادة في السجن بمثابة اثنتي عشرة ساعة. فان كنت محتاجاً إلى الدواء فلديّ بعضه لأرسله إليك. علماً ان

---------------------

(1) اللمعات/400-402

لايوجد صوت