ثانياً: ان رسائل النور ليست نابعة من بنات أفكار المؤلف أو بلسان حاجته الروحية بفيض من القرآن الكريم، فهي ليست فيوضات متوجهة إلى حاجة المؤلف واستعداده وحده، بل هي ايضاً نابعة من طلب مخاطبي ذلك المؤلف وزملائه في درس القرآن الأفاضل الخالصين الصادقين الصلبين، وسؤالهم روحاً تلك الفيوضات وقبولها والتصديق بها وتطبيقها. فهي مستفاضة من القرآن الكريم من هذه الجهات وامثالها من جهات كثيرة أخرى. فهي فيوضات تفوق كثيراً استعداد المؤلف وقابليته. فكما ان أولئك المخاطبين اصبحوا السبب في ظهور رسائل النور كذلك هم الذين يشكلون حقيقة الشخص المعنوي لرسائل النور وطلابها. أما المؤلف فله حصة من تلك الحقيقة، وقد يكون له حظ شرف السبق إن لم يفسده بعدم الإخلاص.
ثالثاً: ان هذا الزمان زمن الجماعة، فلو بلغ دهاء الأشخاص فرداً فرداً حد الخوارق، فلربما يُغلب تجاه الدهاء الناشئ من شخص الجماعة المعنوي. لذا أقول كما كتب ذلك الأخ الكريم: ان مهمة إيمانية جليلة بحيث تنور عالم الإسلام من جهة وناشئة من أنوار دهاء قدسي، لاتحمّل هذه المهمة على كاهل شخص واحد ضعيف مغلوب ظاهراً، يتربص به أعداء لا يعدّون وخصماء ألدّاء يحاولون التنقيص من شأنه بالإهانات. فلو حُمّلت، وتزعزع ذلك الشخص العاجز تحت ضربات إهانة أعدائه الشديدة، لسقط الحمل وتبعثر.(1)
حاجة أهل الإيمان إلى حقيقة نزيهة:
أخوتي الأعزاء الصديقين الثابتين المخلصين!
سؤال في منتهى الأهمية، يسألنيه من له علاقة بي، ويرد في نفسي أيضاً، فهو سؤال معنوي ومادي في الوقت نفسه. وهو:
لِمَ تقوم بما لم يقم به أحد من الناس، لمَ لا تلتفت إلى قوى على جانب عظيم من الأهمية، تستطيع ان تعينك في أمورك، فتخالف جميع الناس. بل تظهر استغناءً عنهم؟.
----------------
(1) الملاحق - أميرداغ 1/264