السيرة الذاتية | الفصل الثامن | 376
(359-384)

نعم! ان الأمر يقتضي هكذا في كل وقت، ولا سيما في هذا الوقت، وبخاصة عند استيلاء الغفلة التي أنشأتها الضلالة، في خضم هيمنة التيارات السياسية والآراء الفلسفية، وفي عصر كعصرنا هذا الذي هاج فيه الغرور والإعجاب بالنفس، تحاول المقامات الكبيرة دائماً ان تجعل كل شئ أداة طيعة لها، وتستغل كل وسيلة في سبيل غاياتها، حتى تجعل مقدساتها وسيلة لبلوغ مناصب دنيوية. ولئن كانت هناك مقامات معنوية فهي تُستغل استغلالاً أكثر، وتُتخذ وسيلة أكثر طواعية من غيرها؛ لذا يظل دوماً تحت ظل الإتهام، إذ يقول العوام: انه يجعل خدمات مقدسة وحقائق سامية وسائل وسلالم لبلوغ مآربه، حفاظاً على نفسه أمام نظر الناس، ولكي يبدو أنه أهل لتلك المقامات.
وهكذا فلئن كان قبول المقامات المعنوية يفيد الشخص والمقام فائدة واحدة فانه يلحق ألف ضرر وضرر بالناس عامة وبالحقائق نفسها بما يصيبها من كساد بسبب الشبهات الواردة.
حاصل الكلام:
ان حقيقة الإخلاص تمنعني عن كل ما يمكن ان يكون وسيلة إلى كسب شهرة لبلوغ مراتب مادية ومعنوية.
نعم، انه على الرغم من ان هذا يؤثر تأثيراً سيئاً في خدمة النور، الاّ أنني أرى أن إرشاد عشرة من الناس إرشاد خادم لحقائق الإيمان إرشاداً خالصاً حقيقياً وتعليمهم أن حقائق الإيمان تفوق كل شئ، أهم من ارشاد ألف من الناس بقطبية عظيمة، لان النوعية تفضل على الكمية، ولأن أولئك الرجال العشرة يرون تلك الحقائق أسمى من أي شئ آخر. فيثبتون، ويمكن ان تتنامى قلوبهم التي هي في حكم البذرة إلى شجرة باسقة. أما أولئك الألوف، فانهم بسبب ورود الشبهات المقبلة من أهل الدنيا والفلسفة وهجومها عليهم، ربما يتفرقون من حول ذلك القطب العظيم، إذ ينظرون إليه أنه يتكلم من زاوية نظره الخاصة، ومن مقامه الخاص ومن مشاعره الخاصة!

لايوجد صوت