السيرة الذاتية | الفصل التاسع | 430
(385-440)

بكل ما أملك من قوة لتوفير خدمة ايمانية لاهل الإيمان، وربما كنت مستعداً لا للتضحية بالمراتب الدنيوية الفانية وحدها بل -ان لزم الأمر- بالتضحية حتى بالمراتب الاخروية الباقية لحياتي في الآخرة، مع ان الجميع يسعون للحصول على هذه المراتب، ويعلم اصدقائي المقربون بانني -ان لزم الأمر- اقبل ترك الجنة والدخول إلى جهنم من اجل ان اكون وسيلة لإنقاذ بعض المساكين من أهل الإيمان(1) وقد ذكرت هذا وبرهنت عليه في المحاكم من بعض الوجوه، ولكنهم يرومون بهذا الإتهام اسناد عدم الإخلاص لخدمتي الإيمانية والنورية، ويرومون كذلك التقليل من قيمة رسائل النور وحرمان الأمة من حقائقها.
أيتوهم هؤلاء التعساء ان الدنيا باقية وابدية؟ ام يتوهمون ان الجميع مثلهم يستغلون الدين والإيمان في مصالح دنيوية؟ ان هذا التوهم يقودهم إلى الهجوم على شخص تحدى أهل الضلالة في الدنيا وضحى في سبيل خدمة الإيمان بحياته الدنيوية، وهو مستعد للتضحية بحياته الاخروية ان لزم الأمر في سبيل هذه الخدمة. وانه غير مستعد لان يستبدل ملك الدنيا كلها بحقيقة ايمانية واحدة، كما صرح في المحاكم، ويقودهم إلى الهجوم على شخص هرب بكل قوته من السياسة ومن جميع مراتبها المادية منها وما يشمّ منها معنى السياسة سواءً أكانت من قريب او بعيد وذلك بسر الإخلاص، وتحمّل عذاباً لامثيل له طوال عشرين عاماً، ومع ذلك لم يتنزل-حسب المسلك الإيماني- إلى السياسة. ثم انه يعد شخصه من جهة النفس-اقل مرتبة بكثير من طلابه، لذا فهو ينتظر دوماً دعاءهم واستغفارهم له، ومع انه يعد نفسه ضعيفاً وغير ذي أهمية، الا أن بعض اخوانه الخلص اسندوا اليه في رسائلهم الخاصة بعضاً من فضائل النور، وذلك لكونه ترجماناً للفيوضات الإيمانية القوية التي استمدوها من (رسائل النور)، ولم يخطر ببالهم في ذلك أي معنى سياسي، بل على مجرى العادة، ذلك لان الإنسان قد يخاطب شخصاً عادياً ويقول له: (انت ولي نعمتي...

------------------------

(1) ذكر لى الأخ "محمد فرنجي"وقال: كنت أزور الأستاذ مراراً، وكان يقول في أكثر من مرة: لقد رضيت بدخول جهنم لأجل إنقاذ إيمان شخص واحد. وكرر القول نفسه لدى زيارتي الأخيرة له. فوقع في نفسي شئ، إذ كيف يدخل جهنم من كان سبباً لهداية اناس كثيرين جداً؟. واذا بالأستاذ يعتدل في فراشه ويشير الي بيده ويقول: ليس خالداً.. ليس خالداً.. بل مثلما يدخل احدهم جهنم من جراء ذنب ثم يدخل الى الجنة.

لايوجد صوت