الباب الثالث
شذرات
الفصل الأول
حالات متميزة
1-الانبساط والانقباض:
من اول صباوتي إلى الآن، تتفاوت حالي كأني اكون في حين على رأس المنارة، وفي وقت في قعر البئر.. وكم من حقائق هي احبّتي ويعرفنني، تصير اجنبية انكرها في آن.. ثم في حين آخر تجئ الحقيقة الدقيقة التي ما سمعت بإسمها إلى يديّ بلا دعوة. وكم اكون اجهل من (باقل)(1)قد اظن نفسي في السياسة كـ(سَحبان).(2)
نعم! ماحيلتي.. هكذا ترد السانحات إلى القلب.. فبينما اجدني كأنني اتكلم فوق منارة عالية، اذا بي -في احيان أخرى- أنادي من قعر بئر عميق.(3)
2- رفض الهدايا:
كنت أرفض قبول أموال الناس وهداياهم منذ نعومة أظفاري. فما كنت أتنازل لإظهار حاجتي للآخرين رغم انني كنت فقير الحال وفي حاجة إلى المال، وما كنت زاهداً ولا صوفياً ولا صاحب رياضة روحية، فضلاً عن انني ما كنت من ذوي الحسب والنسب والشهرة.
فازاء هذه الحالة كنت أحار من امري كما كان يحار من يعرفني من الأصدقاء. ولقد فهمت حكمتها قبل بضع سنين، أنها كانت لأجل عدم الرضوخ للطمع والمال، ولأجل الحيلولة دون مجئ اعتراض على رسائل النور في مجاهداتها، فقد أنعم عليّ الباري عز وجل تلك الحالة الروحية.. والاّ كان أعدائي الرهيبون ينزلون بي ضربتهم القاضية من تلك الناحية.(4)
-----------------------
(1) باقل الأيادي جاهلي يضرب به المثل في العيّ والبلاهة.
(2) مقدمة "رجتة العوام" - الصيقل الإسلامي- النص العربي/118- ط. انقرة. وسحبان بن وائل: رجل إشتهر بفصاحته وبلاغته، حتى ضرب به المثل فقيل: أفصح من سَحبان.
(3) المثنوي العربي النوري / 420
(4) الملاحق - اميرداغ 1 / 256