لذا ترى الأشخاص الذين ارتبطوا به برباط وثيق في بداية الأمر هم في الأغلب قد جذبتهم هذه الكرامات التي ساقها الله على يده. فلذلك ترى ان قسماً من طلاب النور قد تركوا بيوتهم وأعمالهم واخذوا على عاتقهم حفظ الإيمان ثقة ببديع الزمان وما يقوم به من أعمال من دون ان يهتموا ماذا سيصبح مصيرهم فذهبوا معه إلى المحاكم وإلى السجون دون ان يعلموا لماذا وكيف وأين؟..
فإذا نظرنا إلى التاريخ الحديث فنادراً ما نرى اشخاصاً محظوظين كبديع الزمان تقتدي به جموع غفيرة وهو يتقدمهم في زمن المستحيلات. وهنا احب ان أوضح هذه الحقيقة ايضاً فأقول:
ان الحقائق الإيمانية التي تطرحها رسائل النور من ضرب الأمثال والأدلة الثابتة تؤثر على الإنسان بدرجة الكرامات، فأنا شخصياً كنت ابحث منذ سنوات طويلة عن جواب بعض الأسئلة التي كانت تدور في ذهني فما استطعت ان أجدها في أي مكان، واخيراً وجدتها في رسائل النور بشكل واضح لا غبار عليه ولا ضباب. واذا نظرنا الآن إلى تاريخ حياة بديع الزمان نرى ان حياته وأسلوب عيشه هي بحد ذاتها كرامة. فقد ترك أهله وبيته وكل ما يمت بصلة إلى نفسه ومنفعته الشخصية، وكانت المشنقة امام عينيه دائماً فأمضى شطراً طويلاً من حياته المديدة في السجون والمنافي لاجل قول الحق وتفهيم الحقائق الإيمانية للناس. أما أنا فان السبب الأساس الذي دفعني إلى جانب بديع الزمان وقراءة رسائل النور هو أنني كنت اقول:
- لماذا يتجول هؤلاء السكيرون والمخمورون ولاعبو القمار بكل راحة واطمئنان وحرية بينما يظل خدام الإيمان والقرآن كبديع الزمان في السجون ويقضي حياته كلها هناك؟ فإذن يتحتم عليّ ان أضع يدي بيده لأساعده بكل ما أستطيع مساعدته ومساندته.
ففي عام 1954- 1955 كنت أقوم بنشر رسائل النور بل حتى تلك التي اعجز عن قراءتها(1) فالذين كنت أعطيهم من هذه الرسائل يقولون لي:
- عمّ تبحث هذه الكتب؟ فأقول لهم:
- انتم معلمون وعلماء فيمكنكم قراءتها والوقوف عليها أما أنا فلا أستطيع القراءة. ولكني سأحاول التعلم فبديع الزمان خادم الإسلام في السجن الآن ونحن نقوم بمؤازرته. فأقرأوا انتم واشرحوها لنا وقد كانوا بدورهم يشرحون ما كتبه الأستاذ لي. وأنا يغمرني الفرح والسرور)).(2)
قبلت الهدية ولكن..
((ذهبت إلى زيارة الأستاذ سنة 1953. وسألني عن الشيخ طاهر (وهو من مدينة بتليس) فأجبته انه قد ارتحل إلى الآخرة.
فقام الأستاذ من فراشه واصلح من هندامه واستعد للدعاء. وقال:
- اللهم أسعده برحمتك. انه كان يجمع مؤلفاتي عندما كان الناس ينفرون منها. إنه حافظ عليها بإخلاص.
ثم التفت اليّ وقال:
- أرجو أن تكتب إلى أهله برقية عزاء باسمي حالما تصل إلى هناك وتبين فيها مشاركتي لأحزانهم.
وفي زيارة أخرى، عندما كان الأستاذ في فندق (آق شهر) آخذت معي زوجاً من الجوارب من صنع مدينة (بتليس) هدية للاستاذ. فقلت له:
- أستاذي.. أرجو ان تقبلها مني هدية متواضعة، فهي من مدينة (بتليس)! فأخذها بيده، ثم قال:
- لقد قبلت هديتك وأخذتها، ولكن إلبسها أنت بدلاً عني)).(3)
-----------------------
(1) حيث انها بالحروف العربية.
(2) ذكريات/96 Son Şahitler 3/306 من اسماعيل حكيم اوغلو - كاتب وقاص اسلامي له مؤلفات كثيرة.
(3) ذكريات/99 Son Şahitler 3/405 من فكرت اوزدمير