ان الموجود إن كانت له وحدة واحدة، فلابدّ ان يكون صادراً من مؤثر واحد، ومن يد واحدة، حسب مضمون القاعدة البديهية المقررة: (الواحد لا يصدر الاّ عن الواحد). فإن كان ذلك الموجود في غاية الانتظام والميزان، وفي منتهى الدقة والاتقان، وكان مالكاً لحياة جامعة، فمن البداهة انه لم يصدر من أيد متعددة قط – التي هي مدعاة الاختلاف والمنازعة – بل لابد أنه صادر من يد واحدة لواحد أحد قدير حكيم؛ لذا فان اسناد الموجود، المنتظم، المتناسق، الموزون، الواحد، الى ايدي الاسباب الطبيعية العمياء الصماء الجامدة غير المنضبطة، والتي لا شعور لها ولا عقل، وهي في اختلاط شديد يزيد من عماها وصممها، ثم الادعاء بإن تلك الاسباب هي التي تقوم بخلق ذلك الموجود البديع واختياره من بين امكانات واحتمالات لاحدّ لها، اقول ان قبول هذا الاسناد والادعاء هو – في الحقيقة - قبول لمائة محال ومحال، اذ هو بعيد كل البعد عن جميع مقاييس العقل وموازينه..
دعنا نترك هذا المحال ونتجاوزه مؤقتاً، لننظر الى تأثير (الاسباب المادية) الذي يتم بالتماس والمباشرة. فبينما نرى ان تماس تلك الاسباب الطبيعية هو تماس بظاهر الكائن الحي فحسب، ونرى ان باطن ذلك الكائن الذي لا تصل اليه ايدي تلك الاسباب المادية ولا يمكنها ان تمسّه بشيء، هو ادق نظاماً، واكثر انسجاماً، من الظاهر بل ألطف منه خلقاً واكمل اتقاناً. بل الاحياء الصغيرة والمخلوقات الدقيقة التي لا يمكن ان تستوعب تلك الاسباب المادية قطعاً ولاتصل اليها ايديها ولا وسائلها هي اعجب إتقاناً من اضخم المخلوقات وابدع خلقاً منها.
فلا يكون إذن اسناد خلقها الى تلك الاسباب العمياء الصماء الجامدة الجاهلة الغليظة المتباعدة المتضادّة الاّ عمى ما بعدها عمى، وصمم ليس وراءه صمم.
اما المسألة الثانية: